عزيزي سانتياغو، هل أيقظتك من غفوة القيلولة التي اعتدتها مؤخراً؟!
لابد أنك تشعر بالتعب والخواء بعد عودتك آخر مرة من البحر..حين تركت تلك السمكة.
أوه أخطأت.. أقصد هيكل السمكة العظيمة؛ تلك المارلن.. حين تركتها على الشاطئ وحولها تجمّع الصيادون غير مصدقين أنك اصطدتها لوحدك..
آه لو تدري كم أحببتها! وكم أشفقت عليها! وكم تذكِّرني بأحلامي..
ربما كانت أحلامي صغيرة مثلما كانت أحلامك(بضع سمكات لعشاء عائلي؛ أبيع بعضها لأكسب نقودا تكفيني لشراء مكتبة جديدة وحذاء..) هذا لو كنت بحارة مثلك، لكن كانت أحلامي بريئة، بيضاء مثل شراعك؛ بضع قصص أو أفلام قصيرة تحكي عن زمن الفقراء، تحكي أحلام العابرين من منفذ ضوء خجول إلى اتساع البحر تاركين لشغفهم الحبال على غاربها، وأفلام تفضح حمى الواهمين بمجد يطرّزونه على أكتاف الحمقى واللّاهثين على دروب مقفرة يخالونها مزروعة بالنجوم!
ولكم وددت ياعزيزي لو استطعت أن أبوح لك بذلك السر، وأن أهمس في أذنك:
-طعم الخيبة مر، وبياضها موجع كما طعم شراعك بعد الرسو ذلك اليوم حين عدت مع هيكل منهوش.
ولكم وددت أن أسند رأسي على كتفك وأن أبكي بصمت.
-وددت طويلا أن أعانقك وأغوص في رائحة البحر التي تختلط بجلدك، رائحة الأحلام التي بنت سداً بينك وبينها، وبيني وبينها.
ياعزيزي سانتياغو.. تملؤني الرغبة الآن في الإبحار معك؛ فأنا أمتلك عزيمة بحار مثلك -لاتتململ!
حين يصارعني الموج سأكون لينة مثلك.. وحين أمسك بالسمكة الكبيرة سأكون قاسية مثلك، وحين تنهش القروش سمكتي سأكون جلدة مثلك، وحين أرسو على الشاطئ سأرمي الحبال وأمضي بخطو واثق، حزين ربما، مخذول نعم، لكنه واثق.. ما أريده فقط أن تدعوني للإبحار معك لآخر مرة.. ربما، ربما يحالفنا الحظ معا فتصطاد سمكتك وأكتب أنا قصصي وأفلامي، حينها ستحوم حولنا أسماك القرش لكنها لن تجرؤ على مهاجمتنا لأننا حينها سنكون نرقص ونغني ونحتفل.. وتلك الأسماك اللعينة تخشى الفرح ستهرب بعيداً، وسندنوا من الشاطئ عند غروب الشمس وسيكون شراعنا منشورا وفيه شمس جديدة لايعرفها سكان الخليج، وسيكون هيكل المارلين مكسوا باللحم، وسنطعم منها كل جائعي الأحلام في بر مدينتنا..
هل أيقظتك ياعزيزي؟ انهض فقد حان وقت الإبحار.
*******
المخلصة عبير عزاوي