قصة بقلم أ. رعد الأمارة
بعنوان : محترف
كان جدي نائماً تماماً، حتى أن شخيره أخافني حين مددتُ يدي تحت وسادته!ياويلي، المحفظة ثقيلة كما توقعتها تماماً، كنت أشعر بذلك وأنا أحاول دسها في ثيابي، اختبأت في الحماّم، حَبستُ أنفاسي وأخذتُ أحصي المال، كانت أصابعي اللعينة ترتعش، أما قلبي فكان يدقُّ دقّات سريعة لاتتناسب وعمري الصغير!. عندما أعدت المحفظة ،كان جدي مايزال نائماً، حتى أن شخيره العالي طغى على صوت خطواتي، وأنا أنسلُّ بغنيمتي. حدقت يمنة ويسرة، كان أغلب الأولاد يلعبون، بعضهم بالكرة والبعض الآخر بالدعابل الملونة:
_ تباً لكم من اغبياء وقذرين. هكذا همست لنفسي، وأنا اقطع الشارع صوب المحلات التي صف في أغلبها، أصناف عديدة من السكاكر والواح الشيكولاتة التي أعشقها. تجولت في الأنحاء كثيراً قبل أن أعود، كانت معدتي قد بدأت تؤذيني، تباً، لقد أكلتُ جبالاً من الحلوى! وجدت أمي عند باب الهول، كانت ترضع أخي الصغير ذو الخدود المنفوخة، فكرت بأن ليس عليه أن يقلق فحلواه المجانية متوفرة دوماً! قالت أمي:
-إذهب، جدك يريدك. أصابني قولها بأرتباك عظيم، حتى أنني فكرت بأن أهرب، حدقت في أخي النهم، في أصابع يديه وهي تحاول عبثا الأمساك بقدمه العارية، مشيتُ صوب غرفة جدي العابقة بدخان السجائر، مددت رأسي بحذر، اصطدمتْ عيناي بنظراته الباردة،هتف بي :
-تعال ياولد،ليس عليكَ أن تقف هناك. دنوت بحذر، حدقت في يديه، ليس ثمة من عصا! كدت أبلّل نفسي رغم ذلك، وأنا أتقدم خطوة واتراجع إثنتين، نفث الدخان صوبي وضحك قبل أن تخنقه نوبة سعال مخيفة، راح يتنفس بهدوء بعدها، مد يده المعروقة النحيفة وأمسك بثوبي ثم جذبني إليه، قال وهو يجلسني بقربه على سريره :
-مابكَ ترتجف؟ غبي، ستبلّل فراشي ياولد!. حاولتُ النطق، لكنه قاطعني:
-هل أخبركْ أحد في البيت بأني أحمق، ها؟ هل تتصور بأني كنت نائماً حين سرقت المحفظة، لقد كنت أضحك في سري منك!لكنك غبي، تركت المحفظة خاوية، أخذت النقود كلها، لستَ محترفاً، أنتَ ولدٌ بائس. كان صدري يعلو ويهبط، توقعتُ ضرباً ولكماً، كنت أرفع ذراعي إلى وجهي كلما نطق بحرف، لكنه اكتفى بأن دسَّ يده في جيوبي واستردَّ المال المتبقي! قال وهو يعيد ترتيب الأوراق المالية في المحفظة :
-عندما كنتُ في مثل سنك، كنت أسرق من جدي أيضاً، لاتضحك ياولد، أنا غاضب الآن فأصمت، لستَ إلا أحمق صغير، في مثل سنك كان جيبي عامراً بالمال! كنت اكتفي بسرقة ورقة أو اثنتين من حزمة المال الكبيرة،لم يكن جدي يشعر بضياع المال ابدا، هل تفهم!؟. قال هذا ثم أمسك بأذني وأخذ يلويها بشدة وهو يقول، هذا لأنك غبي. سمح لي جدي أخيراً بالخروج، رحتُ أفرك أذني،لكني قبل أن أخرج من الباب التفتُ إليه،مَلأتْ الدهشة ملامحي، كان جدي يلتهم بشهية الشيكولاتة التي سرقها من جيبي!!(تمت)
/العراق