بين المهزلة والمأساة
*****
مُنذُ أيام
والوقْتُ يُمرُّ عليَّ مُثخَنًا بجِراحاتِه،
يُجرجِرُ أقدامَهُ مُرغِمًا إيّاها على المَسير،
الزّحفُ صَار مِن شِيَمِ دقائِقه،
والإثْنا عشرَ رقْمًا المُعلّقَةَ في عُنقِ ساعتِه
كَقِلادَةٍ ثَمينة، تُفرَطُ حبّاتُها على التّوالي
لِيُعيدَ جَمعَها مُجدّدًا دونَ يأسٍ أو مَلل،
يُواري عُمرَهُ المَهدورَ في أزِقّةِ الأيام الخلفِيّة ويمضي..
الأشجَارُ بَدأت تَتعرّى خجِلة، لكِنّها مُجبرة،
الخريفُ جريءٌ جدًّا ينتَهِكُ سِترَها عُنوة،
والرّيحُ تُداعِبُ سواعِدها الغضّة، تُوزّعُ قُبلاتِها
العاصِفةَ على جسدِها الصّلبِ حتى تُنهِكها،
فَتُردي أوراقَها طريحَةَ الثّرى،
تجْمعُها سناجِبُ الحَقْلِ لِتقتَات بِها حينَ
يَقسو عَلَيْها الشِّتاء،
لكنَّ الشّتاءَ تَأخّر،
والغُبارَ المُحمّلَ بِزفيرِ البَشرِ بَدَأ يَخنِقُ النّقاءَ
المُختَبِئ في قَلبِ العاصِفة..
الغيومُ لَم تَظهَر مُنذُ عامٍ ونِصف،
والسّماءُ باتت كَرُقعةٍ مُزرَقّةٍ فَوقَ لَوحَةٍ صَمّاء،
صَارت تَتوارى مُسرِعةً خَلفَ ظُلمَةِ اللّيل،
تُواري شُحوبَها المُرْبِكَ للعَين..
الصّمتُ يَكتَنِفُ المَكانَ حولي،
الجَبلَ والتّلَّ والوادي،
لا شيءَ سِوى زَمجرَةِ الرّيح تُحاوِلُ أن
تَدلُفَ مِن شُقوقِ النّوافِذ،
تَطرُقُ الأبوابَ بِعُنفٍ يدُبُّ الرُّعبَ
في أوصالِ المَكان؛
أتحلّى بالشّجاعة وأنا أضُمُّ ظلّي
الوليدَ حديثًا؛ من لهيبِ شمعة..
عَتمَةٌ مُبهَمةٌ مُنذُ سُرِقَ القَمرُ ذاتَ
لَيلة،
قيلَ أنّ الشّمسَ خبّأتْه في جوفِها،
لَكِنّها لَم تُشرِق من يومِها..
قيلَ أنّ الكواكِبَ نبذَتهُ من مدارِها،
وقيلَ أن.....
والكَثيرَ قيل،
لكنّ الحقيقَةَ أنّ العُشّاقَ قَتلوهُ حينَ خذَلوه؛
فوقعَ من حُضنِ السّماءِ؛ لتبتَلِعهُ
فوهةُ بركان..
لاشيءَ يلمَعُ في الظّلامِ المُعلّقِ فوقَ
رؤوسِنا،
سِوى ذُيولٍ مُسرِعةٍ كرُجومِ الشّياطين،
تَجعلُ النّساءَ يتمنّينَ السّعادة،
يتَعلّقنَ بأساطيرَ وخُرافاتٍ بالية،
ألا يعلمنَ أنّ السّعادَةَ ضلّت طَريقَها
ذاتَ فرحَة،
حينَ حاوَلت اجتِيازَ حدودِ الحُزنِ
فوَقَعَت أسيرَةً في قبضَةِ الشّر،
وأدوها دونَ رَحمَةٍ بعدَ أن فَقَؤوا عينَها؛
وسادَ عليْها طُغاةُ الأرض.
*******
تناهيد عبد الرحمن🖋🦋