زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

« خبل » _ بقلم: الكاتب / Mustafa Awad


 



« خبل »


••••• 



لست أدري! لكن شيئًا ما يقودني تدريجيًا للجنون

-لكننا بالفعل مجانين 

رد زميلي في الغرفة وهو يشير إلى الأسرة المتراصة لصق بعضها، وأضاف:

-هؤلاء كلهم مجانين

حدقت في الأسرة الفارغة المرتبة بعنايةٍ ثم قلت مندهشاً:

-لكن لا أحد هنا سوانا!

ضج زميلي بالضحك، والتمعت عيناه:

-وأنا أيضاً لا أراهم، لذا فنحن مجانين. وحدهم العقلاء هم من يرونهم

 ازدرد لعابه ومال علي وأضاف بما يشبه الهمس:

-هل تريد الخروج من هنا قريباً؟

لم ينتظر إجابتي

-عليك التظاهر دائماً بأنك تراهم، هكذا سيظنون أنك قد بدأت تتماثل للشفاء، وحينها سيتركونك لا محالة

بدا كلامه غريباً وغير منطقي، لكنني قررت أن أجرب

أعدت التحديق في الأسرة علني أرى شيئاً

-فيم جئت هنا؟

سألني، فمططت شفتي، وأجبت

-قتل

هب واقفاً فجأةً وقفز إلى فراشي، تربع واضعاً يديه تحت ذقنه متكئاً بمرفقيه على فخذيه، وسأل بلهفة:

-قتل؟! قص علي.. قتلت من؟

أزعجني فضوله جداً، فأنا لا أحب من يدسون أنوفهم في شئوني الخاصة، لكنني أحتاجه، فهو على درايةٍ كبيرةٍ بالمكان ونزلائه، ليس من مصلحتي إغضابه. تنهدت

-في الواقع كانت مجزرة

-مجزرة؟!

هتف مذهولاً وقد اشرأب بعنقه، ثم تلفت حوله، واقترب مني هامساً:

-اخفض صوتك فقد لفت انتباه الجميع

تلفتت مثله حولي وأنا أتخيل عيوناً لامعةً لا أراها تحدق بجنونٍ في وجهي! شعرت بخوفٍ حقيقيٍ، فسكت.. أطرقت طويلاً حتى لكزني سائلاً:

-مالك؟

-لاشيء

أجبت متلعثماً، فضحك وهو يضرب على فخذي:

-تكلم يا رجل

ثم صمت فجأةً وقال بلهجةٍ جادة:

-لا تنس سرنا الصغير

وأشار بيده للأسرة الفارغة

-أنظر. هل ترى أحداً؟

رمقته متوجساً، ثم هززت رأسي بالإيجاب، فارتسمت على وجهه ابتسامةٌ، وقال:

-أحسنت

وسرعان ما اختفت لتحل محلها نظرةٌ صارمةٌ، مع صوتٍ كالفحيح:

-أكمل

-قتلت شخوص قصصي

قلت بسرعةٍ كمن يلقي بحملٍ ثقيلٍ عن كاهله

-كيف

سأل بفضول

عبأت صدري بالهواء، ثم زفرته ببطءٍ، وقلت وأنا أضغط على حروف كلماتي:

-أحرقتهم

صفق بكفيه، محركاً ساقيه في الهواء كمهرجي السيرك، وهتف:

-ياللإثارة!

ثم قفز على الأرض ومشى حتى باب الغرفة على أطراف أصابعه، لصق أذنه متنصتاً، ثم عاد وهو يغمز لي بعينه قائلاً:

-أمان

تمدد على فراشه ساحباً الغطاء حتى ذقنه

-سامحني، لكن قصتك تبدو مرعبة ووحشية، وأنا مرهف الحس وأخاف، لابد أن أكون مستعداً - حال هاجمنا أحد الأشباح- للف جسدي كاملاً، والاحتماء بالغطاء

صمت قليلاً، ثم سأل بصوتٍ مرتجف:

-أحرقتهم جميعاً؟

هززت رأسي بالإيجاب دون أن أنطق

-كان الصراخ يملأ المكان؟ ورائحة الشواء والجلد المحترق؟ هل تشبه رائحة الشواء المعتادة للكباب؟

قلبت كفي وقلت:

-لست أدري، لكن عندما جاؤوا، كان ثمة أكوام من الرماد والأوراق المحترقة، كنت أراهم يتخبطون صارخين، والنار تمضغهم على مهل، كانو يرتطمون بكل شيءٍ في البيت فيشتعل، جلبت كرسياً وجلست في منتصف الصالة، وظللت أراقبهم متشفياً، لا أذكر ما حدث بعدها، سوى أنني فتحت عيني فوجدتني هنا

-وأنت؟

انتبه، وحدق في وجهي:

-فيم جئت هنا؟

دار بوجهه متأملاً فراغ الحجرة، ثم قال:

-انتحار

-انتحار؟!

رددت مندهشاً، فأجاب:

-نعم

ثم تنهد مستطرداً بلامبالاة:

-لست أدري! يدعون أنني ذبحت زوجتي وأبنائي، ثم أضرمت النار في البيت وبقيت بالداخل

تأملت وجهه الذي أخفت الحروق معالمه، وتركت آثاراً على كفيه وذراعيه، وأضاف هو مستغرباً:

-لو أنني انتحرت أليس من المفترض أن أكون ميتاً الآن؟

قطع كلامه صرير الباب.. دخل ثلاثة رجالٍ يرتدون معاطف بيضاء طويلة، اثنان غليظان شديدان تتبدا على وجهيهما القسوة، وثالثٌ يتقدمهما، ضعيف البنية وسيم الملامح هادئ، يحمل محقناً بيمينه، توقفوا عند فراشي، وسألني الوسيم مبتسماً:

-كيف حالك اليوم؟

-بخير

أجبت مبتسماً، بينما أرمق زميلي الذي غمز لي، و أضاف و هو يشير بيده للمكان 

-جميعنا، كما ترى، بخير

تبادل الغليظان نظرةً بدت لي راضيةً، قبل أن يقول الوسيم بلهجةٍ مشجعة:

-رائع...رائع جداً

التقط من جيب معطفه عبوةً صغيرةً ممتلئة بسائلٍ أصفر، دس إبرة المحقن فيها وجذب طرفه حتى امتلأ، كان زميلي يلوح لي ضاحكاً بعلامة ok، فبادلته الإشارة، التفت الوسيم لحيث أشرت، ثم نظر لي متسائلاً، فقلت:

-كنت أرد التحية لزميلي

مددت ذراعي، فمسح عليه بقطعةٍ قطن مبتلة وهو يقول:

-آه.. زميلك! 

دس إبرة المحقن في وريدي، فتأوهت وسرى السائل الأصفر في دمي. انتهى ثم مسح مكان الإبرة بنفس قطعة القطن، وقال:

-حاول أن ترتاح قليلاً 

غادر ثلاثتهم الغرفة بعد أن أطفأوا المصابيح ، حل ظلامٌ دامسٌ واختفى زميلي، شعرت بالخوف فوضعت الغطاء على رأسي وغبت تحته، أنت مفاصل الأسرة حولي، والتقطت أذني دبيب خطواتٍ تزحف مقتربة..اضطرب صدري وعلا لهاثي ونزني عرقٌ غزير.. سمعت همهماتٍ، فاقشعر جلدي وكدت أفقد الوعي، لولا أن توقف كل شئٍ فجأة وحل الصمت، أرهفت السمع لمدةٍ طويلة

-لابد أنه كان كابوساً

تنفست الصعداء، بينما أزيح الغطاء عن رأسي، ثم تسمرت كالمشلول...كان ثمةُ عيونٌ مضيئةٌ كعيون القطط تلمع في الظلام و تحيط بفراشي من كل اتجاهٍ.. حاولت أن أقفز هارباً أو أعيد الغطاء لرأسي، فلم أستطع. امتدت عشرات الأيد المحترقة وأمسكت بي، شعرت بدوارٍ عنيفٍ وفقدت السيطرة على نفسي؛ فبللت سروالي.. انفتحت في فراشي هوةٌ وابتلعتني..ضربت الهواء بيدي محاولاً التشبث بأي شيء.. فتحت فمي لأطلب النجدة، فلم أجد صوتي..هويت من حالقٍ ولطمني هواءٌ باردٌ، فاستسلمت لقدري.. أغمضت عيني مستعداً للحظة الارتطام، أخذتني غفوةٌ، رأيتني خلالها أرقص عارياً وسط شخوص قصصي وأغني بصخب.. تقدم أحدهم وسكب جالوناً كبيراً من الكيروسين على جسدي ثم أضرم فيه النار؛ فانتبهت. مسحت على عيني وتثاءبت متمطياً، درت لأحتضن وسادتي، فعانقني الفراغ

مازلت أهوى من حالق!!

حدثت نفسي مذهولاً، ثم رحت أصرخ...وأصرخ...وأصرخ...



•••••••••••••



Mustafa Awad



















عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية