نقطة ومن أول السطر
قراءة تحليلية بتصرف
بقلم / محمد البنا
لنص * رسايل الطريق*
للأديبة السورية المتألقة: كنانة عيسى
..........................
النص
« رسائل الطريق »
تلك اليد التي تفض تقاسيم الطريق، تكشف البلل الهابط بسكون، تمسح برفق على الأفق، تنفث على غبش الدفء الصغير حكاية عابرة تترجل عند أول وقوف.
وتصغي بلمساتها على المقود لترنيمة قديمة... تغلغلت في زوايا المركبة التي تلتهم الدرب ... إلى الدرب
هكذا أراها في وقت التعب تكتب لي
كيف حالك اليوم أيها الحاضرة... ؟
أنزع نظارة القراءة الهزيلة، تستريح تجاعيد الوجه في سكينة، أقرأ الرسالة للمرة الألف.. وأجيب في سري
سأكون بخير أيها الغائب
•••••••
Kinana Eissa
12-12-2021
كنانة عيسى ١٤ ديسمبر ٢٠٢١
................
القراءة
تلك اليد..ماذا فعلت ؟
تقض تقاسيم الطريق/ تكشف البلل/ تمسح على الأفق / تنفث على غبش الدفء...تنفث ماذا ؟..الإجابة : تنفث حكاية عابرة !..عابرة لكنها تترجل عند اول وقوف...فهل انتهت اليد من أداء مهمتها ؟..لا..لم تنته المهمة بعد!..فلا زالت اليد تصغي بلمساتها على المقود ( عجلة القيادة ) لترنيمة قديمة، وتغلغل النغم ليعم زوايا المركبة من الدرب الى الدرب ( من البداية الى النهاية )، ومن ثم يطل علينا صاحب اليد ( ضمير المتكلم ) بنبرة شجينة ناعمة تتوق لأمل غائب بعد أن غمرها يأس واحباط ( هكذا أراها في وقت التعب تكتب لي )..تعب، تكتب؟!..أي تعب هو إذًا ؟.. وهنا نقرأ كلمات لم تدون، صمت القلم عن تبيانها ( التعب واسبابه)، فلنمض اذًا ونستبين ماذا كتبت عل وعسى نقف على المسكوت عنه..كتبت ( كيف حالك اليوم ايها الحاضرة؟)..هكذا اقتضى السياق أن اليد هى من سألت صاحبتها، فهل هذا هو المقصود؟..ام انه شيء آخر، ورد بعد قطع، وقد يصح تنسيب السؤال عكسيا، اي ان السائل هى الراوية، والمسؤول هو اليد..تفريعان لجملة استفهامية واحدة، كلاهما محتمل، فإن مضينا قدما إلى الإجابة وما سبقها من تمهيد سردي مشهدي وجدي وصفي (انزع النظارة/تستريح تجاعيد الوجه/اقرأ الرسالة !!! للمرة الألف..) ..أي صفعة تلك فاجأتنا بها الكاتبة الحصيفة!! ..هى رسالة إذًا من حبيب غائب لسبب ما بل ربما آخر رسالة يل ربما الرسالة الأخيرة، هنا تنقشع ضبابية النص وينكشف سر تعبه، سببه غياب غير متوقع، وتواست اعضاء المغدور ( اليد مثلا) وجوارحه وحواسه تشد من أزره، وتقويه صبرا ودمعا، فينوب اللسان في نبرة حزينة قوتها في ضعفها، واستقامتها في انكسارها..لا لن استسلم للحزن، لا لن ترى ضعفي..( سأكون بخير أيها الغائب).
نص مراوغ مخاتل غني بالصور البلاغية الموظفة توظيفيا جيدا لم يخل بسردية القص، بل ساهم وبقوة في خلق مشهدية حية، أجادت الكاتبة تصوير اللحظة ( لحظة توقف المركبة لدقيقة لا أكثر على جانب الطريق) بكل ما فيها من شجن ودمعة ترقرقت في مقلتين رأيناهما تنسابان على خدودها ويتسلل حزنهما فيغشى نياط قلوبنا..حقا وصدقا..أقوى لحظات الأنثى هى لحظة أن يحسبها الناظر ضعيفة.
وتمضي الحياة بعد توقف، ويقود المرء سفينته بعد ترجل..من الدرب..إلى الدرب.
•••••••••••
محمد البنا ١٥ ديسمبر ٢٠٢١