زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

« أوراق من الذاكرة » الأستاذ والأديب المغربي: مبارك السعداني _ إعداد وتقديم: أ. جمال الشمري




 




« من أوراق الذاكرة »



إعداد وتقديم: أ. جمال الشمري



«  أوراق من الذاكرة » 


الأستاذ والأديب المغربي: مبارك السعداني



••••••••



لن أطيل عليكم وأترككم مع ملحمة حياة ممتعة جدا بأسلوب أستاذنا المعتاد في العفوية والصدق والشفافية والإدهاش والمتعة.


سيرة حياة... 

سيرة حلم. 


*1 (الكبدة المعاودة )

الحفيد


 : قالت جدتي: 

( الكبدة المعاودة):

 - عطر الخزامى في صباحات الربيع، حلاوة العسل المغموس في شيق الأحلام. حزن ليالي الخريف بريحها التي تعوي. 

كية في الجسم الموشوم بشظف الحياة... أحسست أنه آن موعد خروجه من غيابات رحم مكلومة. 

شددت الرحال إلى قرية ( أيت الغازي )

وكلي شوق لاستقبال باكورة سنطوقها بأحلامنا المجهضة. 

طوى الردى الوالد الذي خرج من صلبه، وتركه ثاويا في ظلمات رحم يقتات الجوع وظلم ذوي القربى...

 وجدت أمه ترفل في ثوب حداد كان أبيض ، فاستحال لونه ترابيا غامقا. 

قلت في نفسي: لابد أن ينجو هو وأمه من ذلك الجحيم.

 المسكينة عانت في صمت... تحاملت على نفسها، قطعنا طريقا ترابيا زاد لون أسمالها وأيامها قتامة... 

بعد لأي، أقلتنا سيارة أجرة، بلغنا البيت مساء يوم الأحد. ومع تباشير فجر الإثنين، جاء الفرح ملفوفا في ثنايا حزن دفين.

 اليد الأولى التي لمسته من محتد كريم. قطعت حبله السري إشارة إلى بداية حياة كائن جديد. 

وقلت: هذا المولود سيكون مباركا. كل الأمارات تنبئ بذلك؛ 

فجر يوم الإثنين الألول من شهر شعبان المبارك. وأول لمسة من محتد كريم مبارك .. 


 * 2 (الحي القديم) : 


نشأ ت طفلا وحيدا مع والدتي في بيت جدي المكون من غرفتين، وفناء مفتوح على سماء الله الفسيحة... 

 نأكل ما تيسر من الطعام، أذكر أن أحبَّه إلى نفسي الخبز والشاي . 

ومن أجمل ما عرفته حياتنا، ليالي السمر تحت ضوء قنديل (الكاربون) برائحته المقرفة، 

أو (اللامبة ) الغاز بفتيلتها المدخنة. 

وقد تكون شمعة باكية داخل ( فنار ملون) رفيقة ليالينا. 

ورثت عن جدتي حب الخرافات والحكايات التي كانت تحكيها لي باللغة الأمازيغية غالبا. 

معينها منها لا ينضب؛ ألف حكاية وحكاية.

 لكل ليلة حكاية. وقد تعاد الحكاية ذاتها بمهارة ماكرة... (حاجيتكم وما جيتكم)، فتبدأ عوالم الدهشة، ويسيح الخيال وراء سبعة أبواب، كل باب يفضي إلى باب، و السعيد من يقاوم سلطان النعاس، ويصل الى الباب السابع حيث تنتظره حورية ذات جمال لا يضاهى. 

وقد تدير، وارثة سر شهرزاد، بمهارة فائقة دواليب الحكاية، فيسقط الطفل صريع الكرى في منتصف الحكاية .

 وفي ليلة الغد تسأل مبتسمة :فين خلينها؟ يحاول جاهدا لملمة أطراف ما علق بذهنه من أحداث. ثم تبادر معلنة بدء شلال الدهشة:

 -حاجيتكم وما جيتكم.. 

ننام ليال، حيثما اعتقل الكرى أجفاننا، فوق حصير، لانشتكي من قساوته، بالرغم من سيماه الموشومة فينا.

 سكانه، من البراغيث والبق، يقيمون حفلات ليلية راقصة ساحاتها أجسامنا.


بيوت الحي مفتوحة أبوابها للجارات والأطفال. كل شيء متاح طلبه؛ من عود ثقاب، مرورا بحبة بصل، وصولا إلى ما يملأ (البراد )من شاي وسكر ونعناع...

 نساء الحي مستعدات لتقديم يد العون لمن تحتاجها. 

شاي العصر طقس تطيب معه اللمة، تعده التي تحتاج إلى مساعدة الجارات. وقد تحلو الجلسة، فتغدو صينية الشاي والكؤوس أدوات موسيقية مصاحبة لغناء جماعي، تقطعه إحداهن بصوتها الجميل، تشكو الحنين، أو تلهج بذكر المصطفى الأمين. 

وتقطع أخرى معلنة عن حب دفين، مازالت ندوبه تؤلم بين الحين والحين. وعندما يرتفع الإيقاع ويغلي الدم في العروق، تقفز امرأة إلى وسط الحلبة، تنزع غطاء رأسها، تشد به وسطها، وتطلق ا لعنان لجسدها يتكلم من لغات الرقص ألوانا. .. 

وعندما يحمى (الطرح) ترتفع زغرودة يتردد صداها في المكان. تزداد الراقصة غليانا، فتدك الأرض بقدميها دكا في (ركزة) تترك الجسد حرا طليقا، يتلوى ويهتز وتهتز معه الجدران. يعلو الغناء والصياح والضحكات والغبار... وتعلو الأصوات (وهنا طاح الريال وهنا نلعبو عليه... )

وتدخل الراقصة في شطحة أخيرة، كأنها ديك مذبوح يستعد لتسليم الأمانة لبارئها... 

تتلقى الراقصة عبارات التهاني والإعجاب وينتهي كل شيء... 

كان الحي مسرح لعبنا، لكل لعبة وقتها، نلعب بالخذاريف في وقتها. والبللي في وقته. والمراوح الورقية في موسم الرياح... وبعض الألعاب ترتبط بمناسبات معينة . 

ففي وقت نضوج المشمش تتحول نواته إلى خذروف، بعد ثقبها وإفراغها من لبها، مع خيط ومسمار و برتقالة في بداية نموها. 

وقد يكون لكرة القماش نصيب من لعبنا، قبل أن تزيلها عن عرشها كرة البلاستيك. .. 

وتنتهي لمة الأطفال غالبا قبيل موعد وصول الرجال مساء من دكاكينهم أو حقولهم.

 ومما علق بذاكرتي صوت دراجة نارية لأحد الجيران بمجرد ما نسمع صوتها على مبعدة، دون أن تظهر لنا،

 نطلق السيقان للريح، وتدخل الفئران الصغيرة الى الجحور. ويصبح الحي خاليا صامتا كأنه لم يغن َ قبيل قليل. 


 * 3 (حلم ساحر) : 


في طفولتنا أينما حللت صادفت أبطالا، على جدران البيوت صور لأبطال خارقين، وأخرى لزعماء سياسيين. وفي الساحات حكاؤون يروون حكايات أبطال لهم قدرات خيالية. ينضاف الى ذلك ما رسخته السينما في وجداننا من صور البطولة، بدءا من أبطال روما وأ ثينا، مرورا بأبطال الصين والهند، وصوال إلى رعاة البقر... 

بدأت علاقتي بالكتاب من خلال دكان في حينا، نكتري منه القصص بثمن زهيد جدا، خمسة فرنكات للقصة الواحدة. في ذلك الدكان تعرفت على قصص محمد سعيد العريان، ومحمد عطية الابراشي. تلك القصص البديعة حلقت بي في سماوات الدهشة والغرابة.


وحدث أن أعارني أحد رفاق الدراسة كتابا، ظل معي لايفارقني إلى الآن. 

ولما رأى رفيقي شغفي بالكتاب تنازل لي عنه. 

كنت أراه امتدادا لحكايات جدتي وملاحم الحكواتي... حيوانات تتكلم كما يتكلم الناس، وتعيش حياتها مثلهم. عرفت بعض تلك الحيوانات، وغابت عني أخرى، ولكنها استوطنت خيالي كلها. لم يكن ذلك الكتاب سوى "كليلة ودمنة" لمؤلفه عبد الله بن المقفع.

 أحيانا ، أشعر أن بيني وبين الموت ثأرا قديما، سلب مني، قبل أن أرى النور، أخوين ووالدا، وربما اهتديت إلى أن الكتابة هي السلاح الفعال لمحاربة الموت والبلى، وضمان الخلود والبقاء...

 ومن ثم ظلت فكرة أن أصبح كاتبا تراودني، وتستحوذ على أحالمي. عاشرت الكتاب في خلوتي.

 أحدثهم عن أحلامي وما يجول بخاطري. 

أراهم بملامح جميلة، لا يشبهون عامة الناس لأنهم، في تصوري، امتداد لأبطال الحكايات والسينما... 

فكرت في الكتابة وأنا طفل، وتعود محاولتي الأولى إلى بداية دراستي بالإعدادي، حيث عزمت على كتابة سيرتي الذاتية. ما إن شرعت في كتابة الأسطر الأولى حتى أدركت صعوبة المهمة، بل استحالتها، وهذا ما زاد من تقديري للكتاب. 

واستعظمت ما يقومون به، بل رأيت أنه يستحيل على آدمي عادي أن يأتي بمثل صنيعهم. من بين الكتب الأولى التي تركت أثرا بليغا في تكويني،

 ثلاث سير ذاتية: ( الأيام) لطه حسين،

 و (حياتي ) لأحمد أمين،

 و (تربية سلامة موسى ) لسلامة موسى. الأول أعجبني فيه ثورته على نظام الأزهر، وتحديه لإعاقته وما حققه من نجاح . 

والثاني شدتني إليه بساطته، واجتهاده، وقناعته بالمكتوب. 

والثالث أدهشني بثورته على التقاليد ، وتحرره، ودعوته لتبني قيم العلم والعقل.

 لم تفارقني فكرة الكتابة، وظلت تراودني، وأنا تلميذ بالإعدادي وبالثانوي، وكذلك في المرحلة الجامعية . 

في فترة الإعدادي والثانوي كتبت بعض المحاولات في القصة القصيرة، وصلت إحداها إلى أستاذ معروف بتشجيعه للناشئين... مالاحظته كانت مشجعة جدا، إلا أنه ختمها بدعوتي إلى ترك الكتابة الرومانسية ، لأن الزمن زمن الواقعية إبداعا ونقدا. 

كان لتلك النصيحة، التي قصد بها الأستاذ التوجيه والتشجيع، مفعول مثبط؛

 لأني لم أفهم المصطلحات المستعملة. بقيت الكتابة طموحا لا يفارقني، فأينما حللت أكتب وأمزق ما أكتبه، دون إطلاع أحد على ما أكتب. حرصت على شراء مجلات عربية تصدر في قطر والكويت والعراق وليبيا والسعودية والمغرب. .. ولكن مجلة ثقافية كان لها بالغ الأثر في تكويني، بالنظر إلى قيمة الكتاب الذين كانوا يكتبون فيها، 

والموضوعات التي تعالجها، وقد داومت على اقتنائها سنوات، من أواخر سبعينيات القرن الماضي، إلى ثمانينياته ، وهي مجلة (الدوحة) القطرية. تعرفت فيها على الكثير من الأدباء العرب، وغير العرب.

 وممن أذكر على سبيل التمثيل:

صلاح عبد الصبور وهو يكتب (مشارف الخمسين)، 

ويوسف إدريس وهو يكتب قصة بعنوان (الرجل والنملة)،

 وأمل دنقل، في فترة مرضه الأخير، وقصيدته (زهور)

، وغير هذا كثير... كما واظبت على تتبع البرامج الإذاعية التي تهتم بشؤون الأدب والأدباء، وخاصة تلك التي تشجع الأدباء الناشئين.

 ومما أتذكر، وأنا في نهاية دراستي بالإعدادي، كتبت شيئا أسميته "دقات الساعة" وأرسلته إلى برنامج (مع ناشئة الأدب)

 الذي كان يشرف عليه وجيه فهمي صالح.

 لم أكتب اسمي الحقيقي ولا عنواني وامتنعت عن متابعة البرنامج في الأسبوع الذي يفترض فيه الحديث عن رسالتي. 

لم أدر ما مصير تلك الرسالة. وكانت تلك أول مرة أراسل فيها برنامجا إذاعيا ، وآخرها.


 * 4 (بين الحلم والواقع) : 


بقيت صورة الكتاب المثالية مطبوعة في نفسي. و من بين من رأيتهم عن قرب محمد شكري، صاحب كتاب (الخبز الحافي)، إبان دراستي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، في بداية ثمانينيات القرن الماضي. وكان كتابه ذاك قد أحدث ضجة كبرى بعد صدوره، أفضت إلى منع تداوله فيما بعد. ليعود المسؤولون عن الشأن الثقافي بالبلاد إلى الإفراج عنه، والسماح بتداوله. 

وتوالت لقاءات الكتاب، ومن بين من كان للقائهم بالغ الأثر في نفسي، الشاعر أحمد المجاطي صاحب (ديوان الفروسية)

 حضرت لقاءين معه: األول احتفاء بصدور كتابه (أزمة الحداثة في الشعر العربي الحديث)،


 والثاني قرأ فيه بعضا من شعره، وذلك قبيل وفاته بمدة قصيرة سنة 1995 .واللقاءان معا شهدتهما كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط.

 وصورة يديه المرتعشتين وهو يحمل بهما كأس ماء ليبل ريقه الناشف مازالت ماثلة أمامي إلى الآن... 

وقد سمحت لي الظروف بلقاء كاتب آخر من طينة الكبار، وهو شيخ القصة المغربية، القاص المميز أحمد بوزفور في لقاءين بتارودانت، خلال حضوره لنشاطين ثقافيين بثانوية ابن سليمان الروداني، في مناسبتين مختلفتين. عرفنا فيه الإنسان المتواضع، والكاتب العميق الذي يستقبل الجميع بابتسامته الخاصة، ويفتح ذراعيه للكتاب المبتدئين، وللبراعم الناشئة، تأطيرا، وتعليما، واحتضانا، وتشجيعا. 

وقد صادفت كتابا آخرين لبعضهم علي حق التلمذة. منهم من لم يترك إلا أثرا ضئيلا في النفس. 

ومنهم من صدق عليه المثل العربي القائل (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه)... 

نشرت أول قصة قصيرة تحت عنوان 

(وراء الباب الموارب) في موقع 

(أنفاس من أجل الثقافة والإنسان) 

بتاريخ 17 غشت 2011 باسم مستعار. بعدها تعرفت على نواد ومواقع متخصصة في القصة القصيرة، والقصة القصيرة جدا.


 وانخرطت في العالم الافتراضي قراءة وكتابة . وتعرفت على كتاب ونقاد ربطتني بهم معرفة متينة، تحولت بعضها من الافتراضي إلى الواقعي. 

ومن ثمار هذه المرحلة مشاركتي في إصدارات جماعية في القصة القصيرة جدا، صدرت في مصر والمغرب، وفي النقد األدبي، وصدور مجموعتي

 (ضحك المرايا) قصص قصيرة جدا،

 وكتاب (الشاهد القرآني عند عبد القاهر الجرجاني)

 كما نشرت نصوصا سردية ومقاربات نقدية في مواقع إليكترونية، وجرائد ، ومجلات مغربية وعربية ...



______________



 مبارك السعداني تارودانت – المغرب 18-10-2











عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية