مسرح شكسبير/الملك لير
وملحمة أوديب وراء نص "ديبلوبيا"
« دراسةتحليلية » بقلم: فاطمة المخلف
"ديبلوبيا" قصة قصيرة جدا للكاتب / أسامة الحواتمة
::::::::::::::::
« ديبلوبيا »
رأيتُه يرفرف فوقي بجناحيِّ غراب؛ اهتزَّتِ القوائم... بعد قراري بفتحِ النَّارِ عليه؛ تَشنّجت مخالبي ونزفَ جناحِيَ الأيمن!.
أسامة الحواتمة/الأردن
:::::::::::::::::::::
إضاءة تناصية:
أولا: دراسة النص "ديبلوبيا" وتفكيك مفرداته لاستخلاص فكرته الممتدة على أوجه عدة بين سطورها والنهاية المأساوية لبطلها تُذكر القارئ بمصير بطل مسرحية شكسبير {الملك لير} الذي مات حزنا على تضحية ابنته الصغرى من أجله؛
بينما بسبب انعدام بصيرته فضل الاختين الكبرى والوسطى على الصغرى
ليكتشف الحقيقة أنها الوحيدة التي كانت بالفعل أكثرهن محبة له وأنها لم تكن تنافقه مطلقا،
ليموت أبوها الملك لير حزنا عليها.
ثانيا: مأساة المصير في ملحمة بطلها أوديب ووالده تكاد تنبعث للقارئ من بين العنوان وبياض النص وبعد خاتمة القصة: (ديبلوبيا)
ف لايوس (أبو أوديب) وقع ضحية التضليل من العراف المشؤوم بأن ابنه أوديب الرضيع سيكون قاتله -قاتل أبيه الملك لايوس- وسيتزوج من أمه (جوكاستا) زوجة لايوس، فأعطاه للرعاة
ليبعدوه عنه.
ليعلم مؤخرا أن النصيحة التي لم يستمع لها قد تحققت، ففقأ عينيه اللتين لم يكن ليرى بهما أبعد من أنفه.
• المقاصد المضمنةفي النص:
يبدو أن بين مقاصد النص المضمنة، منها ما يشير إلى دور الإعلام الأصفر المضلل والمغير للحقائق وخالق الأوهام، فمن يمتلك نظرة ثاقبة، سيحاولون إفساد بصيرته بما يشوهون له من حقائق، كي لا يعود صاحبها يفرق بين الخير والشر أو كي تتغير نظرته للأمور بحرفها عن الحقيقة، وفي عصرنا هذا نلاحظ ما تتعرض له البشرية بشكل عام والعرب بشكل خاص من تضليل عن طريق الإعلام.
كنوع من الحرب الباردة.
وكما يشير المهتمون إلى أن مفهوم التضليل الإعلامي: هو تزويد وسائل الإعلام بمعلومات كاذبه تتضمن دلالات سياسية أساسًا، أي أن: النية مبيتة لتخطئة الرأي العام وإبقائه على جهل تام بمشكلة خطيرة،
أو عدم تنويره بما فيه الكفاية حول مسائل هامة والهدف الذي يسعى إليه المضلل الإعلامي هو إضفاء التعتيم على الخبر الحقيقي إما لإخفاء جرائم الحروب
أو لتهميش القضايا المهمة وصرف اهتمام الجماهير عنها، أو لإحداث تغييرات في سلوك الأفراد أو الجماعات، وهذه من جملة مقاصد عنوان ومتن النص (ديبلوبيا)
رأيته يرفرف فوقي بجناحي غراب؛
اهتزت القوائم...
وأيضا يشير "شيلر" بشكل أكثر عمقًا أن السلبية تعتبر من أهم أهداف التضليل الإعلامي والتي تبدأ بالسلبية الفردية ثم تتحول إلى السلبية الجماعية، والتي تجعل أمر قيادة عقول الجماعات السلبية أسهل بكثير من قيادة عقول الجماعات الإيجابية لتتحرك نحو التغيير أو محاولة التغيير،
قيادة تلك العقول التي تمتلك مخزونًا من الانفعالات المكبوتة، والتي سيتم إفراغها بطرق معينه للوصول إلى مرحلة العقول المخدرة وعندها من الصعب إفاقتها.
تحليل النص:
« ديبلوبيا »
رأيتُه يرفرف فوقي بجناحيِّ غراب؛ اهتزَّتِ القوائم... بعد قراري بفتحِ النَّارِ عليه؛ تَشنّجت مخالبي ونزفَ جناحِيَ الأيمن!.
ديبلوبيا… كمصطلح طبي: تعني ازدواجية الصورة لشيئ ما وعدم رؤيتها بشكل واضح مما يؤدي لتشتيت فكر الرائي
وهناك فرق كبير بين البصر..والبصيرة التي تذكرنا بقصة أوديب كفكرة، وكيف اختلطت الأمور عليه وأضاع الحقيقة.
وقصة الملك لير المضلل
وتغييب بصيرته بشكل متعمد لإيهامه بأشياء غير حقيقية مما أدى لوقوعه بالخطأ والندم.
ازدواجية الرؤية وتضييع الحقيقه والوهم لوجود اشياء وبالتالي الحكم الخاطئ بعد غياب الحكمة او البصيرة، قد يكون الكاتب قصد هنا الإعلام وتشويهه للحقائق وجعل الإنسان يعيش في متاهة الوهم وتخيل أعداء وهميين
(رأيته يحلق فوقي بجناحي غراب )
البصر هو نظر العين الذي يمتلكه كل مبصر؛ أما البصيرة: فهي الفارق الحقيقي الذي لا يمتلكه إلا المتميز ولها معاني وتعابير
فمعنى البصيرة أن تنظر للأشياء من خلال نظر القلب وتدركها بعقلك
.. قلوب ناظرة وعقول نيرة. ..
وإذا نظرت له بقلب وبصيرة حية وعقل مدرك واعي فإنك ستنشغل بمعناه وأهميته؛ البصائر هي أساس الإبداع الحقيقي.
وهنا تأخذنا القصة في رحلة عبر جدلية البصر والبصيرة فالبصر موجود لكن البصيرة قد تغيب أو تتعتم وهنا نرى كيف عرض الكاتب:
(بعد قراري بفتح النار عليه)
هنا إشارة لردة فعل لهذا التوهم وإشعال حرب ضد هذا العدو المجسم الذي رسم أمام ناظر عينيه… مغيبا الحكمة والعقل
(تشنجت مخالبي، ونزف جناحي الايمن)
حين اتخذ قراره بفتح النار انزاح الوهم ووجد نفسه ينزف بدل ذلك الغراب،
وكأنه يُحاكي قصة الواقع العربي حيث أن العدو والإعلام وسيلته ليرسم له صورة الأبرياء على أنهم أعداءَ مشؤومين وعندما يستعد للمبارزة....فهو ينزف لأنه يضرب نفسه، لأن هذا العدو وهمٌ مختلق، وكما نرى، فكم من عدو أوهموا مجتمعاتنا به وكم خلقوا ما يُفتتون به أوصال الأوطان تحت ذرائع وهمية:
كااسلحة الدمار الشامل، والطائفية والقبلية .والعنصرية
وفي النهاية يقع المجتمع فريسة مخططات الأعداء، فتفتت كيانات الدول ووحدة الشعوب فننزلق في مهاوي الحروب والضعف.
رمزية من خلف الكلمات ومن بين السطور، أرسلها السارد ببراعة مستخدما مفردات تخدم مقصدية النص.
فالعنوان… ديبلوبيا
الذي يدل على عدم التركيز والنظر الواضح
(رأيته يرفرف فوقي بجناحي غراب...)
الوهم الذي، ضلله
(اهتزت القوائم…)
هل هي قوائم كرسي أو منصب ما أو أرجل؟ فمدلولها هو نشر الخوف وعدم الاستقرار، أما (الغراب…) وهو المعروف رمزا للخراب والشؤم والموت
(بعد قراري بفتحِ النَّارِ عليه)
الحروب المصطنعة في عالمنا العربي والعالم، والباردة بينها فليس القصد أحيانا من اصطلاح فتح النار هو استخدام سلاح البنادق وغيرها بل يمكن أن يكون اصطلاح فتح النار، اصطلاحا سياسيا وإعلاميا مثل خلق رأي عام ضد تيار جماهيري معين لتحقيق هدف أو مصلحة استراتيجية ما.
(تشنجت مخالبي…)
والمخالب رمز القِوَى، والتشنج هو شد الأعضاء بقوة شديدة ثم التوقف عن الحركة بألم بليغ، وهي حالة الحروب والركود في عوالمنا التي صارت ساحات حرب وقتل ودمار.
(ونزفَ جناحِيَ الأيمن)
لحظة اكتشاف الحقيقة مؤخرا، على أن فاتح النار هو الذي ينزف،
والجناح هو سبب التحليق والحرية والتطور،
أما (الأيمن) فكما هو معروف في التراث العربي مثل مقولة: الساعد الأيمن أي هو الشخص الذي يمنحك القوة وأنت واثق به.
قصة يمكن قراءتها من عدة زوايا ونهايتها جاءت مدهشة، فالعنوان… هو اعتلال رؤية، والقفلة… هي انكشاف لحقيقة ما.
حقيقة، قصة "ديبلوبيا" تعتبر قصة مجنحة تحملنا نحو فضاءات كثيرة،
"ديبلوبيا" نص أدبي قصصي وجيز جدا فيه لغة مبدعة وبيان وتكثيف ورمزية،
وسارده ابن لمجتمعه العربي يكشف ما خفي في الزوايا المعتمة وسلط الضوء عليها بحرفية.
أرجو أن أكون قد استطعت أن أوضح بعضا من مقاصد النص البديع مع تمنياتي لكاتبه بدوام التميز.
•••••••••
فاطمة المخلف / سورية