بَداء.. وعزاء
—————-
ناهيكَ أني من هوى أسماءِ علَّقتُ أمالي بخيط هَباءِ
لَغِبَت له كبِدي فحين ورَدتُهُ وإذا به آلٌ على رمضاءِ
قد كان أهلُ العلم قِدماً صَرَّفوا أسماءَ في الأوصافِ والأسماءِ
وصُرفتُ جهلاً عن دلالتهِ فما داريتُ شوقي أو دَرأتُ شقائي
ما كنت في الجيش المناوئ بيدَ أنْ قد سرني أن كنتُ في الأُسَراءِ
غَلَبُ الأسى غَلَبَ الأُساةَ وما شُفي لا بل شَفى داءَ العواذلِ دائي
لكنني مُغرىً بليتَ وربما دُفِع الغريرُ بدافع الإغراءِ
أنـَّى لليتَ وما عسى أخواتُها يفعلن لي والحظُّ من غُرمائي
في الحب ينتصرُ الضعيفُ وطال ما عانت أسودٌ من عيون ظِباءِ
والشوق آيتهُ وغايتهُ الشَّقا والحُب مشتقٌّ من الحَوْباءِ
يا من نزحتَ قريرَ عينٍ بالجَفا ونزحتَ من عيني قرارةَ ماءِ
الدمعةُ البيضاءُ ما شَفَّعتَها فشفَعتُها بالدمعةِ الحمراءِ
وظننتُك استحليتَ حُمرةَ أدمعي فجعلتُ منديلي من السُّلاّءِ
راوغتُ فيك الموتَ حتى أُنهِكَتْ جَرْياً ملائكةُ العذابِ ورائي
وأظنُّ لو ظَفِرَتْ جنودُ منيَّتي لأصيبَ عزرائيلُ بالخُــيَلاءِ
أوَ أنت في فَلَكِ الوجودِ وأنتَفي منه ولم أُثْلِثْ على الجوزاءِ
أنا مذ ألفتُ هواكَ قد ألفيتُني عن لذةِ الإغفاءَ في إغفاءِ
دمعي على سطرينِ فيكَ وأنَّـتي شطرينِ والهَمُّ الـمُلِمُّ ثُنائي
أرضَى من الطيفِ التطوُّفَ حوله وعن استلام الركن بالإيماءِ
وتعودُني ضرّاء إن أتبعتُها كاف الضمير تعودُ بالسرّاءِ
ونقلتُ عن لغةِ الطيورِ كأنني لقنتُ أوراقي عن الورقاءِ
وكعروة بن حزامٍ بن مهاصرٍ وضلالِ حلمهِ في هوى عفراءِ
وأخي قشيرٍ حين أُوجِعَ لِيتُهُ شَنَجاً وأخدَعُهُ من الإصغاءِ
ونزلتَ عن سَننِ المحَجَّةِ طائعاً وركبتَ حاذَ الفتنةِ الحَذّاءِ
أسقيتَني كأساً يُرى ما خلفَها منها لفرطِ نقاوةٍ وصفاءِ
أعلمتَ أن البحرَ يغذو دُودَهُ بعوالقٍ في الماءِ لا بالماءِ
وأقولُ هَبْ عاد الربيعُ وأمطرَتْ مَن ذاك يعلمُ نِيَّةَ الأنواءِ
تخمينُهُ غلطٌ وعقلُهُ مُرْتَـجٌ مَن يرتجي الإحسانَ من حسناءِ
فعن الخيالِ وقد رأيتَ خَبالَهُ وعن الذين وقد عرفتَ اللائي
بالـمُذهَباتِ وإن جرى عُرْفُ الورى أن ليس من ذهبٍ لدى الفُقراءِ
بجيادهِنَّ وقد زَهَتْ أجيادُهُـ ـنَّ وأُثقِلَت من فتنةٍ بزُهاءِ
ولعل أحلى مُلْبِساتِ العقلِ ما لَبِسَتْ حُلِيَّ الصاغةِ الأُدَباءِ
الموشَياتِ بكل لفظٍ رَيِّقٍ الواشياتِ بكلِّ معنىً ناءِ
أرْوَيتُها حُزناً وأوْرَتْني لظىً ناهيكَ مِن رِيٍّ ومن إرواء
أنا يا خَلِيَّ البالِ أبلى مهجتي كَبَدُ الفراقِ فخَلِّني وبَلائي
إمّا تـَجِدْ قلباً مُدَمّى فَهْوَ لي مُذ ضاعَ أهلي ضاعَ من أحشائي يٍّ ومن إيراءِ
مُذ أخرَجوا امرأتي ولم يُرْعُوا على أمي العجوزِ وشرَّدوا أبنائي
فَلَكِ الحياةِ وعَزَّةٍ وسُعادَ والـ ـحِبَّيْنِ إنْ ليلى وإنْ مَيْساءِ
وخليلِ أحلامي وعَمْروٍ والفَتى عِزِّ المنى ومحمدٍ وعَلاءِ
الأمثلِينَ الماثلينَ لمقلتي الغائبينَ الحاضرينَ إزائي
نَزَحَ البُكا دمعي فماتت سلوَتي من بعد ما نزحوا وعَـزَّ عَـزائي
كل المحيطاتِ الوسيعةِ لم تَسَعْ خَوفي ولا الرجَوانِ بعضَ رَجائي
وحدي سأشربُ خيبةَ النَّدمانِ إذ حَكَمَ الزمانُ بغيبةِ النُّدَماءِ
وبكيتُ استعطي السماءَ هُوِيَّتي فاستَعْبَرَتْ أملاكُها لبُكائي
لَعَجِبتُ من دونٍ رآني دونَـهُ وزَرى عليَّ بنظرةٍ زَوْراءِ
يا مظهراً فِـيَّ الشماتةَ ضاحكاً أنا فَوْقَ ما فَوْقي من الأرزاءِ
لا تخشَ من غَرَقِ النجوم فإنما هيَ في السماء وإن بَدَت في الماءِ
لا يستطيعُ يَقُضُّني حَدَثٌ ولَنْ ما لم يُقوِّضْ بُنْيَتي بَنّائي
لا لن يقال فزِعتُ من فزّاعةٍ وجريتُ خوفاً من قطيعِ جِراءِ
شعراءُ هذا الكونِ لو باهَلْتُهُمْ لم يَـجدُروا بالكونِ تحت كِسائي
لو أنني ناظرتُ أعلاهم يداً في فَنِّهِ ما كان من نُظَرائي
ولَرُبَّ رَبِّ شهادةٍ طَمَحَتْ بهِ طامَنتُهُ ببديهةٍ عَزْلاءِ
وعلى الأناةِ سبقتُ عصري غَلْوَةً أو غَلْوَتَيـْنِ ودونما غُلَواءِ
وثلاثةٌ وهي التشبُّعُ والأَنا والعُجْبُ ما أوْعَيْتُهُنَّ وِعائي
ما قلتُ إن الناطحاتِ الغيمَ لي أو إن نشءَ الكونِ من إنشائي
ما قلتُ لي بمعلقاتِ الشِّعرِ وا حِدَةٌ ولا أصحابُها زُمَلائي
أولئك الأفذاذُ لم أُبْهَتْ بهم أفَبِالفُذوذِ البُهْتِ هؤلاءِ
مُثْرونَ لو سُفِحَتْ قصائدُهم لـَما كانت تعودُ على الثَّرى بِثَراءِ
وعلى تَوادي العُدْمِ رُحْتُ مُطَرِّزاً نَسْجي وسِنُّ يراعتي صِيصائي
بفرائدٍ عنهنَّ فلسفةُ الـمَعَـ ـرّي لا تغيبُ وحكمةُ ابنِ عطاءِ
حتى تـمنّى لو تحالفُه المـُنى لو يُحشر الضِلِّيلُ تحت لوائي
أنا لستُ أعشو مثلما الأعشى إلى نار المحلِّقِ في ابتغاءِ عَشائي
إعلاءُ نجم الضادِ أعلى غايتي وسقوطُ نجمي غايةُ الغَوغاءِ
ولذاك تلقاني مُكِبّاً في مَكَـ ـبِّ الفَنِّ مُلقىً خارجَ الأضواءِ
أنا في سبيلٍ والحياةُ بآخرٍ وطريقُها يكتظُّ بالسُّفَهاءِ
وكأنما الدنيا لهم من دونِنا وكأننا فيها من اللُّقَطاءِ
أوفَى الأنامِ جهالةً من لَقّبوا أدباءَ هذا الجيلِ بالأدباءِ
أنّى يقومُ بمثلهمْ أدبٌ وقد عَبَثَ الخليلُ بلحيةِ الفَــرّاءِ
أرثي الأديبَ اليومَ أم أرثي له مِـمّا حَباهُ العصرُ من حَوْباءِ
ولقد بَدا لي قبلُ طِيبُ حياتهم ولقد بَدا لي اليومَ في الشعراءِ
العيشُ لا يعني الحياةَ فأبلِغوا من عاشَ يَـمتَهِنُ القريضَ عزائي.
٥/١٠/٢٠٢٠م