قراءة في القصة القصيرة (مها) للكاتبة (صديقة صديق علي)
بقلم: أ. حيدر الأديب
السطور التالية غير معنية بالتفاصيل والتمثيل
هي معنية برصد آخر يستحق أن يقال بحق النص من وجهة نظر الناقد
ولا تمارس أحكاما وصائية على النص فالمتلقي شريك في الدلالة وليس في شرائط إنتاج النص فاقبله كما هو واذهب معه إلى حيث ذهب كونه نص وفق مرجعياتي ألزمني الحجة وهذا زعمي به ورأيي ولا ألزم به أحدا
كباقي نصوصها نص مفعم بالإثارة والجمال واللغة والمظاهر الجمالية
كباقي نصوصها تضع النقد في محنة الصدق مع نفسه في أزمة الكشف عن ذاته قبل الكشف عن نصوصها
ليس على النقد ان يتوقع من النص إجابات ترضي مرجعياته ليطمئن على مقولاته فهذه من المضحكات المبكيات ذلك أن النص ذاته هو تحويل تأويلي في ذهن الكاتب لا ينقاد إلى قيمة الحسم في الدلالة من جهة أو إلى التأويل المفتوح من جهة أخرى
لذا ليس هناك قراءة جيدة أو قراءة سيئة هناك تشكيل استعمالي وأشدد تشكيل استعمالي لمقاصدنا ونوايانا المعلنة والخفية وتواريخنا فليس كل تأويل مقبول ومشروع بل التأويل هو الخضوع إلى عضوية النص لا بمعنى غطرسة المعنى الأحادي بل لأن المعنى أثر يجب ممارسته فهذا يعني أن تأويله هو (نمط وجود) وليس (نمط معرفة)
أما قهر النص وصولا إلى مقاصدنا الخاصة فهذا استعمال للنص وليس تأويلا له
والنص غير معني بهذا الاستعمال
بعد الفهم المتقدم
على ذمة هذه العجالة نتحرى مظاهر القوة في هذا النص
1- إن الملفوظ السردي هنا استطاع أن يقدم نفسه هنا في (خطاب العنف الزوجي وبنية الأنثى النفسية) بنظام علامات خاصة ميزته عن تقرير الأشياء المروية وهنا وبحسب ريكور فإن للزمن قابلية متوازية للانقسام إلى زمن فعل السرد وإلى زمن الأشياء المروية وهذا يعني أن زمن السرد وعي تأويلي وزمن الأشياء المروية وعي تاريخي وتقوم (مها) بالتنقل بين الزمنين وتبعا لها يغير السرد محمولاته الجمالية والدلالية
2- تتجه القصة إلى مجانية الواقع وتمارس عليه وصفا ونقدا ورسائل محسومة لصالح واقعة النص باعتباره تأويلا لهذا الواقع عبر نصية القصة وهذا النقد الذي توجهه القصة إلى الواقع يتم في صورة وعي اجتماعي ونفسي ولنقل كشف الواقع في أنساقه المحركة له لا في نتائجه
3- الأشياء هي ذاتها في الواقع وإحساسنا بها هو تحول ذاتي لذا هي تختفي في هذا التحول وتظهر بممكنات أخرى حركة التحول هي ما يسمى باللحظة الإبداعية نحن لا نرى هذه الحركة لكننا ندركها
القصة هنا إدراك سيميائي للعلامة ( مها ) منذ دلالته الصوتية والنفسية والاجتماعية فهو معك يتمظهر
4- العامل البصري هنا اشتغل على دلالات بصرية بمعزل عن الدلالة اللغوية وتم توزيعها في حركات تأملية
5- الفعل المحرك للقصة هو الموضوعاتية فليس هناك أسماء ولا أحداث هناك توجه موضوعاتي نحو واقع جاهز لا يحتاج فيه القاص إلى أسماء وحبكة الفعل هنا يتسلل عبر حركات زمكانية علينا تشخيصها في فسحة التراكيب اللغوية والبلاغية التي تمتاح من معجم اجتماعي
6- مدلول القصة اغتراب واستلاب وليس دعاية شجن أو ترويج لعنفوان أنثى شجاعة تتناسل في مرايا البنين والحفدة
تحية وتقدير
**********************
نص القصة
مها
استيقظ بهلع، وذهول على اسمي مها ...مها بصوت مفزوع و مستغيث صادر من غرفته بما يشبه الحشرجة..مها مهاـ نعم... عاد يناديني باسمي.
تقول لي أُمّي، إنَّ طائراً يشبه الحمام حطَّ على نافذةٍ فوقَ مَهديَّ، وأخذَ يَصدحُ ..مها ... مها .لذلك اختارَتْه اسماً لي ، و هكذا ما كنت سمير أميس بل مها
ويقول أبي، أنَّ أمي قد توهَّمت ذلك، أو أنَّها تحايلَت عليه، كي أنجو أنا من اسم أمه .
اعتدت على سماع سجالهما المحبب إليّ ، والذي لا ينتهي . لا أبي صدَّق وهمها ،ولا هي استطاعت أن تبرّئ نفسها .
لكنني نشأت على ُحبّ اسمي ودلال أهلي.
كبرت وأنا أبحث في ملامحي،عن عيون المها ...شيئا فشيئا اقتنعت انني أشبهها. وهكذا جعلت من اسمي لوحة على دفاتري ،و على كتبي إلى أن أتى من يجعلني أطير فرحا، بمناداته (مها ) شفتاه تنطقان بنغم عذب ما إن تضمهما الميم بقبلة، تمنحني الحياة ،حتى تلفحني آهات الهاء والألف بدفء أنفاسه .
.
تزوّجته مؤمنة بصواب قراري، فيكفي خفقان قلبي بحبَّه، ليكون زوجي. لكن سرعان ما علمت أنه يمتلك مهارات عالية، تجعل قلوب النساء خافقة بحبِّه، ويصرن كريمات العطاء معه، وبدأت عذابات الغيرة والإنكار، والعراك، حتى وصل أولادُنا لسنّ يجعلهم قادرين على فضِّ نزاعاتنا اليومية ...بالتدريج فقدّت اسمي،كنت أرجوه :(لا تنادني بأنت،.. وهي ،فانا أحب اسمي منك )،
كان يجيب باستهزاء مهين: (وهل اسمك سيضيع منك إن لم أنادك به؟. )
لم أفهمْ إصرارَه على إهماله لاسمي إلا نوعاً من العنف النفسي ،و المضاف للجلد الجسدي الذي كان يمطرني به بشتى الأنواع ...مضت السنون ...و أنا أذوب ببطء كجبل من جليد .
يبدأ نهاري بتحضير طعاما يحبُّه، وينتهي بحديثٍ قاسٍ لا أطيقه .....وكنت في،كل معركة أسلمه سلاحاً جديداً يحاربني به.
(مها ...مها ...اطلبي الإسعاف .اطلبي الإسعاف ..
يا مها... أنقذيني ....هواء أريد ان أتنفس ....أمسك بهاتفي أرتجف وأرتجف .. ،أعطيهم العنوان مرات ومرات ... صراخه يشوش عقلي فاخطئ بكل مرة بعنوان بيتنا ...ليعود إلى استغاثته
( يكاد قلبي أن يتوقف ..أنا أموت مها ..أرجوك استعجليهم يا مها ..أرمقه بنظرات باردة ،أقول بنفسي: الآن ....اصبحت مها ...أليس كذلك ؟.
كم طلبت منه ألا يذلني، بمناداته لي بالحمارة ..قلت له ـ أن الحمارة لا تجيد طبخ ما أطعمتك أياه ..فيردبالضرب المبرح . وشيئا فشيئا بدأت أفتقد اسمي،وبرحيل والديّ فقدت قدرتي على المقاومة ...زاد صمتي، وصرت كسجينٍ أعطوه رقما،ً ونسوه .
وهكذا تمضي الدقائق بطول سنة، بطريقنا إلى المشفى، يمسك بيدي يستجدي خيط حياة، برودة يده، تذكرني بحرماني من دفئها في صقيع عمري ،ـ
(مها سامحيني) .
.( أنت لم ترحل الآن ...بل هذا الرحيل لجلادي... . . ).
يرحلُ، دون أن أعرف إن كنت سأصفح عنه ،دون أن أخبره (بأنك أمتَّ اسمي قبل أن تموت بقلبي منذ زمن بعيد...قبل ان تلفظك الحياة لفظتك عيناي ....). عيون المها تهطل جمرا ....يحرق وجنتي ....فهل تخبرني الريح الجافة ...كيف حُمّلَت بمائها
....ومازلتُ مها التي أحبّت اسمها، لكن ليس بصوته ..بل تغريدة بلابل من شفاه أحفادي .