رسالة إلى صديقتي.. بخطى تائهة أسير إلى أماكن دون عناوين، سوى أنكِ كنتِ هنا.. ودون زمن، سوى أن الزمن توقف عندك.
وبنظرات حيرى تتربص بالوجوه العابرة عسى أن تكوني بينها.
كنت أمام مشهد آخر من مسرحية الذكرى.. كانت الساعة تشير إلى بعض الظلام، و بداية ليل خريفي خفيف المطر يجذبني حتما إلى التذكر والسهر، وقطرات تظهر تحت الأضواء الهادئة، وكنت أنا مشتاقة إليك كعادتي، وكنت أنت غائبة كعادتك..
اليوم أقف وجها لوجه أمام لياليك الخريفية المرصعة بزخات المطر الدافئ في الأفق، كانت نوافذك شامخة منتصبة تدب فيها الأضواء والحياة، وعليها آثار ليست لك، يبادرني سؤال أضيفه إلى أسئلتي اللامتناهية عنكِ. هل كنتِ حقا هنا؟
فما أجمل المكان حتى في غيابك وما أجمل لياليك السمراء كما أنتِ.
أقف أمام جدران لا تجيب، و أمام ذاكرة تذوب. كل يوم بحرارة الفراق.
أقف طويلا هنا في كنفك بين أوتار موسيقاك، فيا ليت الزمن يتوقف هنا، ليت الثواني ترتاح من الجري بنا نحو المجهول. ما أجمل لياليك الحالمة وسمارك الليلي المدثر بالندى..
أرى أشجار تبكي في صمت وجدران صامتة في البكاء، وأرى ممرات حزينة في بكائها الصامت..
الكل يسأل عنكِ، يترقب قادما يخبر عنكِ وذاهبا ليبعث السلام إليكِ، وباقيا ليشاركها صمتها الباكي..
أين أنتِ يا صديقتي؟ ففي غيابكِ انحنى ظهري وانكسرت أعمدتي
أين أنتِ يا صديقتي؟ ذات لقاء وذات ابتسامة.. هل انتقلتِ إلى مثواكِ الأخير ولا أمل من اتتظارك تحت رذاذ المطر؟!
لا أزال واقفة لا أدري هل مر من الوقت الكثير أو القليل، سوى أنه قد مر على فراقك القليل والكثير! وبعد أن صار لابد من الذهاب كان لابد من المغادرة رغم حب البقاء إلى جانبكِ. أقتلع خطاي المتثاقلة، وأجذب ذاكرتي التي امتلأت بقربكِ في بعدكِ.
داعٍ يدعوني للذهاب وريح عاتية تمنعني من مبارحة المكان، وبخطوات مترددة ونظرات ملتفتة إلى نوافذك كنت في ابتعاد متواصل عن وطنك المؤقت.. إنكِ الآن هناك؛ حيث أنتِ في مكان أحسه لكن لا أراه.. تؤثثينه بفرحك وابتسامتك.. في مكان تسكنينه ويسكنني.. و كالعادة أجد نفسي على كرسي آخر يبحث عنك في الخيوط الواهية، ولكن أنى للخيوط أن تتحمل انبعاثك الجارف و غيابك المرعب؟!
******
نور الإيمان