《 حوّاء 》
********
تَبتَزُّنِي بِمُرُورِها العَذراءُ
لا الطُّهرُ يَنقُصُها ولا الإغراءُ
تَمشِي فأمشِي خَلفَها مُستَسلِماً
وأشاءُ حَرفَ الدَّربِ حَيثُ تَشاءُ
إن أقبَلَت أقبَلتُ حَتَّى جُزتُها
فوَدِدتُ لَو أنَّ الأمامَ وَراءُ
لِمُرُورِها عَزفٌ يُرَدِّدُهُ الصَّدَى
لا يَعتَرِيهِ الكَسرُ والإقواءُ
تَخطُو على قارُورَةٍ مِن لُؤلُؤٍ
في جَوفِها ياقُوتَةٌ حَمراءُ
فأُحِسُّ أنَّ الأرضَ تَهوَى خَطوَها
وتَرُومُ لَفتَ نِعالِها الأنحاءُ
حَتَّى شُعاعَ الشَّمسِ يَبدُو حَولَها
مُتَجانِساً وتُهاجِرُ الأفياءُ
تَشتَمُّ أجواءُ الطَّرِيقِ أريجَها
فتَدُوخُ مِن أفيُونِها الأجواءُ
والطِّيبُ يأتِي طازَجاً مِن صَوبِها
كَوِعاءِ مِسكٍ ما عَلَيهِ غِطاءُ
ولِظِلِّها وَهجٌ أشَدُّ مِنَ الَّتِي
مِن وَهجِها تَتَلألأُ الجَوزاءُ
تَتَقاسَمُ الأطيارُ نَغمَةَ صَوتِها
ويَصيخُ إن تَتَكَلَّمِ الشُّعَراءُ
فَوضَى الحَرِيرِ على الرُّخامِ كأنَّها
جُنَّت على أطرافِها الأزياءُ
في الصَّدرِ مِصباحانِ مِن نُورَيهِما
يَفتَرُّ مِن كُمِّ القَمِيصِ ضِياءُ
كالبَدرِ لَكِنْ لا يَغِيبُ ضِياؤه
عَن قُرصِه أو تَنقُصُ الأجزاءُ
مُستَنفَرٌ ذَهَبُ الضَّفائِرِ كَيفَما
راحَ الحِجابُ تَسَرَّبَ الإغواءُ
أنشَدتُها بَيتاً فَضَجَّ حَياؤها
في وَجنَتَينِ حَياؤهُنَّ طِلاءُ
ألقَت على زَهرِ الخُدُودِ كُفُوفَها
فتَعانَقَ الحِنَّاءُ و الحِنَّاءُ
كإناءِ شَهدٍ في إناءِ زَبَرجَدٍ
ويَصُبُّ في الغَمَّازَتَينِ إناءُ
مَهما تَكَلَّفتُ القَرِيضَ لِمَدحِها
وَكَأنَّهُ عِندَ اللقاءِ هِجاءُ
إنَّ الَّتِي عَن فَهمِها عَجَزَ الوَرَى
يَحتارُ في إطرائِها الإطراءُ
قالَت: عَجُوزٌ. قُلتُ: في جَوفِ الرَّحَى
كُبرَى السَّنابِلِ والصِّغارُ سَواءُ
مَهما كَبِرتُ فَما كَبُرتُ على الهَوَى
لا العُمرُ كَبَّرَنِي ولا الأدواءُ
أصحُو قَلِيلاً مِن ثَمالَةِ صَوتِها
فَيَعُودُ إن شاهَدتُها الإغماءُ
أقسَى سُؤالٍ يَعتَرِي لُبَّ الفَتَى
هَل غازَلَتنِي؟ أم هُوَ استِهزاءُ
في قَلبِ قَلبِي نَوحُ طِفلٍ ضائِعٍ
يَهذِي ويَبكِي صارِخاً حَوَّاءُ
*********
عبدالعزيز الصوراني