زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قراءة تحليلية _ بقلم: الأديب / محمد البنا _ في نص « صرخة من الأعماق » بقلم: الكاتبة / فايزة عبد السعيد


 


صراع الأقوياء


قراءة تحليلية لنص


« صرخة من الأعماق »


للقاصة الجزائرية / فايزة عبد السعيد 


بقلم الأديب المصري / محمد البنا 


....................................



« صرخة من الأعماق »



••••••••••



على استحياء جاءتني تتمايل

تضمر خبثا، استرسل في إبراز مفاتنها ببطء يشعل كل كياني، سالبا جل اهتمامي، سرعان ما أسفر حياؤها ليستحيل جرأة تخدرني بعسل شفتيها الذي علم السم كيف يقتل.


علقتني في شباك أوهن البيوت...

قدت عباءة ثباتي من دبر... همت بي وهممت بها، لولا زمجرة ذلك الثرثار الذي لا يفلتني أبدا وبالأخص في الأوقات الحاسمة ، يسحبني من قمة تأهبي لفتنة ما

كأنه أخذ مكان ظلي... حتى ظلي يدعني وشأني، يشغل فقط ساعات عمله! 

يصرخ بصوت غير منقطع، كأنما قد عجنت حباله من الصدى! 

لا تهجع ولا تهدأ، كنت دائما أخبره بأنني أتمنى لو يغرب عن وجهي، لكن كيف وهو لا يملك ساقين حتى! 

بتلك اللحظات بالغت بقسوتي عليه.

_تستفزني نظراتك التي تصوب سهامها نحوي أينما اتجهت، ألست أعمى؟!

تبا لبصيرتك اللعينة، يبتسم بهدوء يفقدني اتزاني، 

بوقار يستمده من لحيته البيضاء وعباءته الناصعة، فهو كالكفن تماما، لكنه يكفن فقط رغباتي الجامحة!


هذه كانت أكثر المرات التي تمنيت فيها إعدامه! 

لأن تلك الساقطة التي  بين جنبي!

 كانت تغمزه من الطرف الآخر، محاولة بخبثها ترويضه.. لكنها عبثا تحاول فهو لا يراها أصلا،

بعد أن يئست منه كما يئس إبليس من أهل القبور،

حاولت أن تدس السم في علاقتنا!


نهرته بقسوة مفرطة قائلا: لطالما تمنيت غيابك، لكنني اليوم أتمنى أن تموت...

أرعد الحزن في سماء ثباته، فبرقت بعينيه المبيضتين،لتسبح حمرة نور خديه بزخات الأسى..

طأطأ رأسه الذي كسر قلبي الغافل، وهو يردد

ألا يكفيك غيابي وابتعادي عن الجميع 

...سأجتمع بالمخاطب والمتكلم، وننظم جميعا لحزب "الضمير الغائب".



   فايزة عبد السعيد..١٩ يناير ٢٠٢١


......................................


القراءة


.........


إنه الصراع الأزلي بين القيم العليا ويمثلها الضمير ( العدالة المطلقة والحق المطلق ) وإشاراته السيميائية في النص على سبيل المثال لا الحصر " بلا ساقين، أعمى، بصيرة، لحية بيضاء، عباءة ناصعة"، والرغبات الغرائزية المتمثلة في أوج صورها ( الرغبة الجنسية ) وإشاراتها السيميائية في النص " خبث، مفاتن، عسل شفتيها، همت به وهممت بها، الساقطة" وبينهما يمضي الانسان معظم حياته، فلا هو بالملائكي النقي شديد النقاء ولا هو بالشيطان الصرف( الأنا )، وقد تنبه عالم النفس الشهير الطبيب سيجموند فرويد، وأسس عليها منهاجه في العلم النفسي وتفسير الأحلام ( الأنا العليا والأنا وال هو )، وأتى النص الجميل تأويلًا وتصويرًا مؤيدًا وبطلاقة لما ذهب إليه فرويد، بل وزاد فأقنع مكملًا الرؤية والفكرة بقول الله جل جلاله في آي كتابه الكريم ( ونفسٍ وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها ) فقدم الفجور على التقوى لما له من قوة وفتنة وسطوة وسهولية المنال، بينما التقوى هى الطريق الصعب والذي يحتاج الى المجاهدة والصبر والمقاومة، وقد اقتصر النص هنا على ثنائية من ثلاثية فرويد، واكتفى بتركيز الصراع بين الأنا العليا ( الضمير )، وال هو ( الغرائز ) لأنهما وببساطة هما محور الصراع الأزلى وما ( الأنا ) إلا نتيجة حتمية لهذا الصراع، حيث أنها تتبع المنتصر فيهما قسرًا، وهو ما أدى بالكاتب إلى اختيار ضمير المتكلم كساردٍ للنص، مع حرصه الشديد على تلافي الوقوع في براثن الخاطرة، فتقمص ببراعة ( الأنا، مع ميل بوضوح متعمد إلى ال هو ) وكان ذلك من أهم أسباب نجاحه، بالاضافة إلى أنسنة الضمير وانطاقه في حوارية بارعة واضفاء الشعور الانساني عليه، وما يمنع إذ هو ( الضمير ) في الأصل جزء لا يتجزأ مننا كآدميين، ويمضي النص متكئًا على تناصية قرآنية ( أوهن البيوت، قدت من دبر، همت بي وهممت بها، لولا زمجرة ذلك الثرثار) متناولاً ببراعة ما ورد  من آيات في سورة يوسف، ويواصل الكاتب تخيله الإبداعي فأضاف في خاتمة نصه تضافرًا بين الضمائر  وتكاتفًا لنصرة الحق في ثورة على الفساد والإفساد والمفسدين.

نص جيد في مشهديته جيد في سلاسته السردية..جيد في لغته البسيطة المعبرة بدقة عن ماهية الصراع الداخلي في أروقة ودهاليز النفس، أعتمد بعض الجمل الشاعرية بمهارة وتوظيف محكم، ومنها ( أرعد الحزن في سماء ثباته// تسبح حمرة نور خديه بزخات الأسى).

وإن جاز لي أن أتوقف متأملًا، أتوقف عند جملتي الخاتمة، وهما

١- ألا يكفيك غيابي وابتعادي عن الجميع

٢- سأجتمع بضمير المخاطب وضمير المتكلم، وننظم جميعا لحزب " الضمير"

أيهما أفضل كخاتمة للنص وكلاهما جيد بل وممتاز، إلا انّ المنطق دائمًا يعطي الأفضلية لشيءٍ ما ويختصه دون غيره، لأنه الأقوى والأجمل والأقرب للكمال، والأشمل رغم خصوصيته...لذا إذا نظرنا إلى (٢ ) نجد فيها القوة وامتداد الصراع بين الخير والشر، ودعوة للتكاتف ضد الآثام، إلا أنها أفصحت بطريقة مباشرة عن بطل النص ألا وهو الضمير الإنساني ذاته، بينما لو تأملنا (١) لوجدنا فيها ما يؤيد العنوان ويتماهى معه ويؤكد عليه، فهى صرخة من وجع، ورجاء من يأس، وإشارة سيميائية في منتهى القوة والبلاغة إلى فساد البشرية في مجملها ( غيابي وابتعادي عن الجميع ) فالجميع أمسوا بلا ضمائر حية، ولم يتبق للضمير ملجأ يلوذ به ويتكئ عليه إلا صاحبنا هذا، وكأنه يقول له في أسى المقولة الشهيرة ل يوليوس قيصر " حتى أنت يا بروتس!".

وبناءً على ما سبق من شرح، فأني أميل بقوة إلى انتهاء النص عند (١) وحذف (٢).



...........................


محمد البنا..١٤ مارس ٢٠٢١
















عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية