قراءة تحليليّة بقلم الأديب: أمير ٱلمۘدرسۜ
للومضة القصصيّة « سوءة »
بقلم الكاتبة: سامية عبد السعيد
•••••••••••••••
الومضة
« سوءة »
علمهم الغراب الدفن؛ توارثوا سفك الدماء.
•••••••••
تقديم
تنتظم علاقات الإنسان بغيره في المجتمعات مهما كبرت أو صغرت، ضمن عدة محددات، أهمها؛ الدين، والأخلاق، والمبادئ، والقيم، والعادات، وخير العلاقات تلك التي تتحرر من جعل المصالح الذاتيّة محورها الأساسي، والإنسان يميل إلى الاندماج مع الآخرين ضمن معايير ومؤثرات من الحبّ المتبادل. ولعلّ اختلاف تقدير المصلحة من أقوى عوامل الصراع بين البشر. القيم والأخلاق: حيث تؤثر القيم والمثل العليا عند كثير من البشر في أشكال وأنماط تعاملهم معاً.
إن الإسلام يحرص الإسلام على إقامة علاقات إنسانيّة بين البشر على أسس من العدل والرحمة والحكمة، فمن ذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [الحجرات: 13] فالغاية من التنوُّع في خلق الشعوب والقبائل.
الومضة
سوءة
علمهم الغراب الدفن؛ توارثوا سفك الدماء.
العنوان
سوءة
وهو بعني عَوْرة، وسُمِّيت بذلك لأنّ انكشافها للنَّاس يسوء صاحبها، كما قد تعني الفاحشة، كل عمل وأمر شائن، وهذا ما قصده الوامض هنا، اي تلك الأعمال والأقوال الفاحشة التي ترتكب في مجتمعاتنا، وقال تعالى (فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ ۚ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَٰذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي ۖ فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ) (المائدة: 31).
وبهذا فالعنوان نكرة غير فاضح، لن يتم فهم فحواه مالم يتم الولوج إلى متن الومضة.
المتن:
من المعلوم أن الومضة تتألف من شطرين الأول يسمى جملة السبب، والشطر الثاني يسمى جملة النتيجة ويشترط أن يكون فعل السبب والنتيجة بصيغة الفعل الماضي، بوجود التكثيف(أن لاتتجاوز ثمان كلمات) ، والنهاية المدهشة أو الصادمة.
الشطر الاول:
جملة السبب: علمهم الغراب الدفن:
يعرج بنا الوامض إلى القرآن الكريم، ليعيد إلى أذهاننا، سيتاريو أول جريمة قتل حدثت على. وجه الارض، عندما قتل قابيل أخاه هابيل، وظل حائرا، كيف يواري سوءة أخيه، فدله غراب على ذلك، حيث قام بدفن جثة الغراب الميت أمامه، ومنه تعلم الإنسان الدفن، لأن الغراب كما هو معروف بطبيعته يحب دفن الأشياء، كما أنه يعتبر من أذكى الطيور وأمكرها على الإطلاق ويعلل ذلك بأن الغراب يملك أكبر حجم لنصفي دماغ بالنسبة إلى حجم الجسم في كل الطيور المعروفة، كما اثبتت دراسات ” سلوك ” عالم الحيوان محاكم الغربان وفيها تحاكم الجماعة أي فرد يخرج على نظامها حسب قوانين العدالة الفطرية التي وضعها الله سبحانه وتعالى.
ولكل جريمة عند جماعة الغربان عقوبتها الخاصة بها. فإذا صدر الحكم بالإعدام وثبت قام جماعة من الغربان على المذنب توسعه تمزيقًا بمناقيرها الحادة حتى يموت، وحينئذ يحمله أحد الغربان بمنقاره ليحفر له قبرا يتواءم مع حجم جسده يضع فيه جسد الغراب القتيل ثم يهيل عليه التراب أحتراماً لحرمة الموت وهكذا تقيم الغربان العدل الإلهي في الأرض أفضل مما يقيمه كثير من بني أدم.
الشطر الثاني: توارثوا سفك الدماء:
الإرْثُ : الميراث، أو مَا يَتْرُكُهُ الْمَيِّتُ مِنْ تركة لِوَرَثَتِهِ، لكنه يقصد ذلك الأَمر القديم تَوارَثه الآخِرُ عن الأَوّل، الا وهو صفة القتل، تلك الجريمة التي ارتكبها قابيل، والتي سيحمل وزرها ووزر من عمل بها، دون أن ينقص من ورز فاعلها شيء إلى يوم القيامة، لأنه سن جريمة القتل، والعجيب هنا انهم توارثوا القتل وسفك الدماء، وتلك عكس ما أعتدنا على سماعه من أن الوريث يحصل على ثروة أو مال وفير، لكن الوامض، جعل سفك الدماء هي تركة الإرث التي تمسك بها الإنسان، دون غيرها، دون أن يكون السلام والتعايش هو مطلبه، الذي يحقق له مفاتيح سعادة الدنيا والآخرة.
الخلاصة
عندما تقوم العلاقات البشرية المنضبطة الموزونة، على اسسٍ متينة وصحيحة، يعم السلام والطمأنينة، وبخلاف ذلك تكون النتيجة مأساويّة على البشر، حيث تعمّ الفوضى، وتغيب القوانين والنواميس، وتسيطر الأنانيّة والطمع على علاقات البشر، فتكثر النزاعات، ويعمّ الشقاق.
ومن الملاحظ أن وامضنا المبدع أجاد في ومضته من خلال التزامه الكامل بشروط الومضة، من عنوان نكرة غير فاضح، وفعل السبب والنتيجة كان في صيغة الماضي، والتكثيف كان واضحا، وكان بالإمكان أن تكتب الومضة بالشكل
سوءة
علمهم الغراب الدفن؛ توارثوا القتل.
لكن الوامض أجاد في كتابتها، لأنه صنع ميزانا موسيقيا متزنا وبذلك اكسب الومضة، بعدا أجمل. كما أن النهاية الصادمة والمدهشة كانت حاضرة.
تقديري وامتناني الوامض، الذي ابدع في ومضته، ورجائي له بالتوفيق الدائم.
أمير ٱلمۘدرسۜ /الْعِرَاق