انقلابات
... عندما رحلتِ ؛ اتجه الشمال نحو البوصلة ، فأبحر المحيط على متن السفينة .. وقطع المسافة عشرين شوطا ولم يصل الشاطئ..
عندما رحلت .. انهمرت الصحراء نحو المطر بغزارة ... بللته ، فانتعل في قدميه مظلة ...
عندما رحلت ، انسكب الورق الأبيض على سطح القصيدة وسالت الأشجار و الغابات في غربة صفراء .. نهضت ألف مرة تعلق خريفها على حبل غسيل .. ولم يجف طلاؤه بعد ... وتناثر الشتاء في أعماق البرد و في بياض الثلج ....
عندما رحلت ، استيقظ رمضان عند الفجر و راح يمضغ سحوره طوال النهار وبُعيد المغرب صام العيد عن الفرح ولم يشرب الماء بعد ذاك اليوم قط ...
عندما رحلت ِ أصبحت أنت اليتيمة ، ونحن ؟؟ أصبحت ملابسنا ترتدينا و أسرَّتنا تنام فينا و خبزنا يأكلنا ... و بيوتنا تسكننا ، وتسير الشوارع في السيارات و تركب السكك في القطارات ...
نعم ...
عندما رحلت .، تسكعت بي الأسواق التي كنا نرتادها معا .. وتشردت أقدام الأرصفة على دروب حزني .. و اشترتني البضائع المصفوفة في الواجهات .
حضنت سوق الحميدية فبكى على كتفي و امتد بسرعة مبتعدا بين الناس العابرين ، و ابتاعت الحوانيت معظم المارة حملتهم في أكياسها مغادرة الأرصفة ..
عندما رحلت خلع المسجد الأموي حذاءه و مشى في أروقة الساجدين فنبتت مآذنه من حزن أذان العصر ؛ وأخذت تصلينا الركعات و ترتلنا الدعوات .. و دمشق القديمة تلك المرأة البلهاء تسير كل يوم بي .. ترحل داخل دروبي .. تقطف ياسمينك العالق في ثنايا روحي ، تفتش في زقاقاتي العتيقة لعلها تراك ترتاحين على رصيفي بعد طول مسير
إلى أمي ... و دمشق ...