زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

من ذاكرة _ الأديب / سيد جعيتم _ في الفقرة الأسبوعية « من أوراق الذاكرة» { زمرة الأدب الملكية }


 





« من أوراق الذاكرة »



إعداد وتقديم: أ. جمال الشمري



تنسيق وتوثيق: أ. سامية عبد السعيد 



••••••••••••••••••••



«  أوراق من الذاكرة »


الأديب: سيد جعيتم


•••••••••••



* ذكرياتي في الحارة المصرية:



أنا ابن غارة، هذه مقولة والدي رحمة الله عليه فقد ولدت أثناء غارة عام 1948م ، كان ميلادي بالقاهرة بأحد الأحياء الشعبية  في منطقة الوايلية الصغرى ( العباسية )، أثناء حظر التجول وخرج والدي لإحضار المستوصف( طاقم التوليد).
ولأن القرد في عين أمه غزال ، ولأنه قدم سبق قدومي موت أخ وأخت لي ، فقد خشيت أمي علي من الحسد ولأن أصولنا ريفية فقد حرصت على أن تلبسني في أذني اليمين قرط  حتي أعيش ولا ألحق بأخوتي المتوفين ، وظل الحلق معلق بأذني حتي سن الخامسة، وحتي الآن أتذكر العبء النفسي لي رغم صغر سني، ومحاولاتي لخلع القرط حتي أنني جرحت أذني، وأخيرً خلعت عني القرط وأنا في الخامسة من عمري .

باب البيت الخارجي لا يغلق فالبيوت مصانة ولها حرمتها والدنيا أمان، صفات الجدعنة والشهامة هي الغالبة ، والسرقة كانت تصبغ صاحبها بالعار، كان الناس فور سماعهم بنداء امسك حرامي يشاركون في مطاردة اللص حتي الإمساك به وتلقينه علقة ساخنة ( ربنا ما يوعدك بعلقة حرامي في حارة وقد سمعت الناس يصيحون ( حرامي ) ويهرولون خلف لص، أخذتني الشهامة ودون تفكير طاردته ولم ألاحظ أنني الوحيد الذي ظل متابعه ، تنبه اللص فأستدار لي ممسكًا بمطواة قرن غزال، فأثرت الانسحاب بهدوء .  
كان طبق الطعام يتبادل بين السكان ولا يعود لصاحبه فارغًا بصفة خاصة البصارة ( أكلة شعبية مصرية) والأرز باللبن، وبنت الحتة جوهرة مصانة يحميها ، وعلي ذكر بنت الحتة فما زلت أذكر أبنة الجيران وحب الطفولة الأول، وانتظاري لها لنذهب للمدرسة سويًا وكيف كنت أمثل لها دور الرجل فنسير ممسكين بأيدي بعضنا وأمنعها من التحدث إلي أي من الصبيان. 

الراديو كان كبير الحجم( لم يكن الترانزستور قد أخترع بعد) يوضع رف مرتفع  ويغطي بكسوة من قماش ، ومساء الخميس الأول من الشهر، يحضر أقاربنا للسهر وللاستماع لحفل أم كلثوم ، كان الكل في الحارة يتشاركون الأفراح والأتراح، وكانت كل المشكلات يتم حلها في مجالس الرجال .
الفرن البلدي لخبز العيش البيتي( الذي يعد في البيوت ويرسل لخبزه في الفرن) كان لدي صاحب الفرن كلبان كبيران ، وكان بيتنا يرتفع عن بيت الفرن بدور، سقطت كرة لي فوق سطح الفرن، تسللت هابطًا لأحضر الكرة، حاولت الصعود ولكن كل محاولاتي بائت بالفشل، رآني المعلم وأطلق كلابه، سمعت نباحهم، لا أعرف كيف قفزت لأعلي ناجيًا بحياتي ولا زلت أذكر طعم الخبز البيتي المضاف له الشمر والينسون.

في طابور الصباح بالمدرسة كان يتم التفتيش علي نظافتنا، وتمر الحكيمة علينا ونفتح وتحول من يحتاج لأي علاج للوحدة العلاجية وتقريبًا فقد خلعت عدد لا بأس به من أسناني في الوحدة العلاجية مع أنني لم أكن أشكو من ألم بهم !!، بل وتسبب طبيب الأسنان بخراج مكان سن خلعه ولم يتم الشفاء إلا بنذر والدتي دستتين شمع لأم هاشم ( السيدة زينب).

 كانت مباريات كرة القدم  تتم بالكرة الشراب، نصنعها من الإسفنج الموضوع في كيس بلاستيكي ونلف فوقه كمية كبيرة من الخيط حتي يأخذ شكل الكرة ثم نلبسها شرابًا ( فردة جورب قديمة) ونخيطه عليها ، وبعد ذلك استبدلنا الجوارب  بمادة الكلة نغطي بها الخيوط و نلصق فوقها قطع مستديرة من الجلد لتحمي الكرة.

كانت فرق الأحياء تضم الكثيرين من لاعبي الأندية وكنت رغم صغر سني عضو بفريق حي الوايلية وكانوا يطلقون علي العجوز ، ومن أعجب فرق كرة القدم فريق السيد جلال بحي باب الشعرية وكل لاعبيه أما أرجلهم مقطوعة ، وكان لهم قانون خاص ممنوع مسك الكرة باليد أنما يدفعها اللاعب عندما تصل إليه ( مثل لاعبي الكرة الطائرة)، وقد شكت والدتي لوالدي كثرة لعبي الكرة في الشارع، فأتي ومعه عصا، لم الاحظه، ظل واقفً يشجعني مع المتفرجين وبعد المباراة أعطاني نقود لأذهب للسينما.

 كانت دولة الجزائر محتلة من فرنسا وأهل الجزائر يكافحون لنيل استقلالهم فكان أستاذ اللغة العربية يقف فينا خطيبًا يلهب حماسنا ثم نخرج في مظاهرة تطوف علي المدارس المجاورة ونخرجهم معنا ونهتف : ( يا عسكر فرنسا يا عسكر بنات كفاية فضائح وشوفوا اللي فاتوتنتهي المظاهرة بلعب الكرة في الشارع، وأتذكر أننا كنا نلعب ماتش خلف قسم الشرطة وعترنا علي رأس امرأة في كيس، هرعنا للقسم وأبلغنا الشرطة .

كنا حريصين علي حضور حلقات تحفيظ القرآن الكريم بالمسجد ، وكان يلقي علينا أحد المشايخ دروس في الفقه والسيرة، وقد سألني الشيخ عن عدد ركعات الصبح: ( قلت أثنين ، طيب والظهر ، أجبت أربعة طيب والعصر، شغلت عقلي وقلت طالما عدد ركعات الظهر ضعف عدد ركعات الصبح ،إذًا فالعصر ضعف عدد ركعات الظهر فأجبته ثمانية، ضحك الشيخ وأعطاني تمرة وأسماني ابن القاضي).

اشتركت في جمعية الإسعاف بالمدرسة الابتدائية، وطلب مني صورة عاجلة لاستخراج  الكارينية، ذهبت لمصوراتي شمس ( مصور ماء) ، عدل لي هندامي ثم أجلسني علي كرسي أمام الكاميرا وخلفي ستارة سوداء، حرص علي أن تكون الشمس في وجهي، طلب مني أن أبتسم وأفتح عيني وأثبتها عيني علي عدسة الكاميرا ، فتح غطاء العدسة ثم أغلقه، وأخذ يحمض الصورة ويطبعها داخل صدوق الكاميرا، وكانت الكاميرا صندوق خشبي بمقدمته كاميرا وبداخله معمل لتحميض وطبع الصور الأبيض والأسود.

آخر الليل كان أحد العمال بتكليف من الحكومة  يحمل جركن صغير به جاز و سلم ويقوم بتعمير لمبة الجاز الموضوعة داخل صندوق زجاجي علي عمود مثبت بالجدار وإشعالها ، وتخيل الشارع مظلمًا إلا من بصيص بسيط من الضوء، ومع حكايات أمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة ، ويكلف أحدنا بالنزول للشارع ليلًا لشراء شيء مغامرة مرعبة .

في شهر رمضان كنا نزين الشوارع والحارات بملصقات ملونة ، وكنا نتجمع لشراء الطرشي البلدي ( مخلل ) والثلج ، وننتظر بائع العرقسوس والخروب،  وبعد الإفطار تحمل البنات الفوانيس التي تقاد بالشمع والصبيان بالكشاف وهو عبارة عن علبة معدنية نثبت بها شمعة  فمن العيب أن يحمل الولد فانوسًا، وفي العشر أيام الأواخر يجتمع الشباب بعد الإفطار حاملين الكلوبات ويمرون بالحي يغنون متأثرين بوداع رمضان.
في فبراير عام 1968 والشارع المصري في حالة غليان نتيجة نكسة 5 يونيو1967، صدرت أحكام علي بعض القادة العسكريين ، لم تعجب الأحكام الشارع المصري فخرجت المظاهرات للمطالبة بإعادة المحاكمات، شاركت في المظاهرات ، وأصبت بجرح في رأسي نتج عن حجر، ونتيجة للاحتجاجات أمر جمال عبد الناصر بإعادة المحاكمات  .
وطالما ذكرت المظاهرات فلا يمكن أن أنسي ما حدث لي في مظاهرات 18 و19 يناير عام 1977 وهي المظاهرات التي أسميناها انتفاضة الخبز وأسماها الرئيس السادات انتفاضة الحرامية، لم أشارك في هذه المظاهرات لكنني حشرت فيها رغمًا عني، كنت في منطقة باب باب الشعرية ، كانت الشرطة تطارد المتظاهرين وقد ظللت أهرب منهم حتى وصلت ميدان الجيزة ، ومن هناك عدت مشيًا علي الأقدام خمسة عشر كيلو متر حتي سكنا في حدائق القبة  

كنت أزور زميل لي بأحد المستشفيات ، حان موعد صلاة الجمعة، دخلت مسجد جمال عبد الناصروقد لفت نظري وجود عربات للشرطة أمام الباب، أيقنت أن بالمسجد جماعة إسلامية معادية للحكومة، صليت بجوار الباب وفور ختام الصلاة هرولت حافيًا وحذائي في يدي قبل أن تغلق الشرطة الباب وتقبض علي الموجودين .
يوم 28 أكتوبر 1971من الأيام الحزينة فقد احترقت دار الأوبرا الخديوية (أول دار أوبرا
 في أفريقيا والشرق الأوسط) ، ذهبت لميدان الأوبرا وبكيت من بكاء الناس وهم يشاهدون الدار الجميلة المصنوعة بأكملها من الخشب تحترق وتتهاوى.

ولا يمكن أن أنسي يوم تنحي جمال عبد الناصر عن الحكم بعد هزيمة الخامس من يونيو1967، كنا نعتبره رمز وسقوطه يعني سقوط البلد فرفضنا تنحيه في 9 و10 يونيو خرجت للشارع ضمن الملايين نطالبه بالبقاء، وبالفعل عاد عن قراره،
ولم يفوق يوم التنحي حشدًا إلا يوم وفاته في 28 سبتمبر 1970علي أثر أصابته بنوبة قلبية عقب مؤتمر القمة العربي وتوديعه لأمير الكويت في المطار.

اجمل الذكريات قضيتها عام 1971 في سوريا أجمل بلاد الله في مطار المزة العسكري، صليت في المسجد الأموي الذي لا يوجد له مثيل وكلما نزلت دمشق أزور سوق الحاميدية اشتري هدايا لأسرتي فقد كانت الأسعار فيه أقل من الأسعار بالصالحية، وقد عرفني العاملين بمحل بكداش الحلواني ، وتمتعت بالتنزه في جبل قاسيون ( المهاجرين) وزرت اللاذقية وحلب، ومقام السيدة زينب، ولا أنسي أصدقائي خاصة إبراهيم محاميد والكردي عدنان وصالح الذي زرت بيته لأتذوق الطعام الدمشقي ، الشعب السوري رائع ومحب للمصريين وكانت أتعمد أن أحفظ النكات فهم كانوا يطالبوني بها ولا يتخيلون مصري لا يجيد  النكات.











عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية