زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

« الدليل » _ بقلم: الكاتب / صقر المحمود


 



« الدليل » 




لم أكن ثملا، أنا أكيد من ذلك، كان الخدر فقط يدب على خديّ، وكان الكرسي عائما يهتز مثل قارب صغير.

مددتُ يدي لأحك جبيني، فبدا بعيدا لا تطاله أصابعي، وكنت قبل أن يغمرني الخدر، مستاء من رجلين، يحجبان عني النافذة، فقلت لنفسي: إنني أخطأت اختيار الطاولة، وإن هذا بات يحدث منذ أيام.

أما هو فقد ولج الباب، ووقف هناك ثم ما لبث أن حدق فيّ، ولما رأى شفتي تتحركان، ابتسم كما فعل عصر اليوم.

_ ليس عبد الله، هو يشبهه فقط.

أتراها كانت لتسمح له بالخروج، والسير خلفي كل هذه المسافة؟ ستموت لو فعل ذلك.

لقد رأيته منقادا لها، مثارا، يريد أن يعرف ماذا تخبئ تحت عباءتها.

نعم، تركت أمي تدور حوله كما لو كان عريسا صغيرا، يفتش في جيب بنطاله الجديد عن شيء ما، ويسترق النظر إلي، ثم ألصق ذقنه بصدره، فيما انشغلتْ تصلح هندامه.

وتذكرتُ أن عبد الله يقيم عندنا منذ شهور، وأنه ينتظر أخواله ليأخذوه.

_ وإذا لم يأتوا . . . من يدري متى تفتح الطرق اللعينة؟

لكنها تناولت العباءة من المشجب، ودفعته أمامها:

_ يلا يا عيني، فرات تنتظرنا.

فرات؟ عندما تزورنا، ، تطوف غيمة فرح في البيت، قلتُ لها مرة: 

_ إما أن يكون الشاي بعطر كفك، أو بحبات الهال.

فبدت حائرة، لا تعرف ما الذي ينبغي لها أن تفعل، ثم جرت إلى شجرة التوت، أمسكت حبل الأرجوحة، وصارت تهزها...

_ لو عبرتَ كل بحار الدنيا؛ لن تجد امرأة مثلها . . . 

اليوم، باغتني هاجس أوقف قلبي، عندما سمعت عبد الله يطلب أن يرافقها، فأزاحت دفتر الرسم ورفعت ذقنه:

_ لقد كبرتَ، اذهب مع خالد.

_ لا يعود قبل الفجر.

_ سيعود . . . أخبرني النهر، ليلة المحيا بذلك.

كانت غافلة عني، وخفت عليكَ كثيرا . . .

آه، كدت أنسى، الليلة، عرس صالح، عرفته؟ عزمتنا أمه، وقفت أمام بابنا، لا تدري من أين تبدأ:

_ صالح يريدها يا عيني ونحن نؤجل منذ سنة، قلت لنفسي ما ذنبهما، ما يحدث لن ينتهي، وأيدينا على خدودنا، أريد أن أرى أولاده قبل أن أموت . . .

بكت، وهي تدعوني إلى عرس ابنها، فلم أستطع إلا أن أحتضنها وأبكي، ثم زغردت، منذ أعوام لم يزغرد أحد هنا، والتمّ حولي الأطفال، تمنيتُ لو لم يكن دكان شاكر مهدما، لأنثر حبات السكر بينهم، وخرجتْ جاراتنا على صوتي، كلهن زغردن من أمام بيوتهن . . . ظننتني إذا دخلت سأجد إخوتك . . .  

أعرف أنها صمتت لأن حرفا آخر سيحرق حلقها، وأن صحن الأرز، ليس إلا شيئا تنظر إليه كي لا تلتقي عيوننا، وكلما ألقت شائبة منه، هزت رأسها يمنة ويسرة.

_ حدق فيّ جيدا، لن يفوتك الموعد، ارحل، عبد الله سيهتم بي 

وإذا وصلت، سلم لي على إخوتك، قل لهم: أمكم المسكينة لن تقوى على الرحيل، لكن عد الليلة باكرا كرمى لي.

كان الرجلان قد انصرفا، فانسل نسيم بارد من بين أغصان الحور، هز قنديلا مكسورا أعلى الجسر، قبل أن يعبر النافذة. 

تيقنت حينها أن النصيّة فرغت، وأن الليل ما زال في أوله، فانهمكت أتطلع إليه، أنتظرُ أن يخرِج يده من جيبه ويغادر، لأتبعه إلى العرس.

                                      


••••••••••


   صقر المحمود



.............................


ليلة المحيا: ليلة النصف من شعبان.

النصية: زجاجة سعتها نصف لتر.














عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية