« مقالة نقدية »
حول " الومضة بين التفكيك البلاغي والإسقاط الفكري... "
بقلم: الأديب / سيد عفيفي
:::::::::::::::::
« مقالة نقدية »
الومضة بين التفكيك البلاغي والإسقاط الفكري...
ما زال البعض يقدحون في قيمة القصة الومضة من حيث قلة المفردات والاتهام بالفقر البلاغي والفكري، ولا شك أن لهم بعض العذر بعد أن استُهلكت الومضة في جانبين؛ أولهما شخصنة الكتاب لفن الومضة، وتحويلها إلى مجال سردي لقصة من واقع حيواتهم أو من تخييل ضحل لا يؤدي دورا للأدب، وثانيهما استخدام اللغة المستهلكة وتكرار نفس الأفكار فتوارى الجانب الإبداعي من ناحية الأدب واللغة، وحتى نصل إلى ترقية الومضة إلى المستوى المطلوب لابد أن نتذوقها قبل أن نهم بكتابتها.
أولا؛ التفكيك البلاغي واللغوي...
1- تقوم الومضة على التكثيف والاختزال وإلباس المعاني الواسعة رداءً ضيقا من مفردات معدودة، ولذلك فإن الومضة من أصعب فنون الأدب وتحتاج إلى استنفار لكل طاقات الأديب مابين الفكر وإثارة مخزون المفردات ثم المزاوجة بين الواقعية والمجازية.
2- تقوم الومضة ثانيا على الترابط والتجانس بين العنوان وكلٍّ من الجملتين، وبين الجملتين ذاتهما، وكأنه على الكاتب أن يعبّد طريقا مستقيما للقارئ منذ البداية وحتى النهاية، وحتما يضطرب القارئ إذا سقط ذهنه في وهاد التفكك والانكسار الفكري داخل المتن، ومن ذلك الحفاظ على الشكل البنائي الثابت مع ضبط المفردات بالشكل والإعراب حتى تتم تهيئة الطريق لذائقة القارئ فلا ينحرف بين توقعات المعاني والصياغات.
3- اختيار الموضوعات ذات القيمة لإبداع ومضة ومجافاة التكرار، وكلما نضحت الومضة بنتاج المجتمع قبل الفرد كان للموضوع أهمية، البعض يقولون أن الومضة قد بلغت منتهى النضج واستهلكت كل ما يمكن كتابته من فكر وشعور ولغة ومن ثم بدأت في التراجع، وهذا غير صحيح لأن الفكر متجدد واللغة لا تنتهي.
4- المفارقة هي أهم معطيات فن الومضة، وبغيرها يتحول النص إلى جنس أدبي مختلف، ومن ثم يجب أن يدرس الكاتب كيفية إحداث المفاجأة مع نهاية الومضة، ومن ذلك ألا يعتمد على تضاد الفعلين وحده، وألا بكون الفاعل في الجملتين واحدا، وألا تكون الجملة الثانية متوقعة، أو أن يكون للجملة الأولى احتمالان لا ثالث لهما فيضعف الإدهاش.
ثانيا؛ إذا لم تتعدد مجالات التأويل والإسقاط في الومضة فقد صادر الكاتب بذلك على فكر القارئ وأعطاه جرعة من اللغة الموجهة التقريرية وهو ما ينافي الإبداع، وكلما حملت الومضة جوانب متعددة من التأويل والانزياح فقد حققت ما نصبو إليه من إثارة الفكر القرائي، والتمس القارئ مضمونات كثيرة بحسب سعة فكره وعمق ثقافته.
........................
الجانب التطبيقي
استخفاف
دافعُوا عن الإبَاحيَّة؛ كشفتْ عنْ ساقَيْها.
أولا؛ التجانس
من خلال الربط بين عنوان النص( استخفاف) وجملتي الومضة سوف نجد خيطا رفيعا يربط العنوان بالجملة الاولى، فلفظ الاستخفاف قد أتى في القرآن في قصة فرعون والنبي موسى( فاستخف قومه فأطاعوه) كناية عن خفة العقل وطيش المنطق، والخفة ضد الرسوخ والرجحان، فإذا دافع قوم عن الإباحية فقد استخفوا بعقول العقلاء، وليست الإباحية فقط بمعناها المشهور في العري والرذيلة، ولكنها إباحة كل ماهو محرم.
ثم تأتي الجملة الثانية لتأخذ نصيبها من تشظي العنوان، فتلك الرذيلة قد كشفت عن ساقيها مجازا، وبذلك تستخف وتزدري المدافعين عنها وتثبت لهم ضعف حجتهم ووهن براهينهم بالكشف الذاتي عن بعض حقيقتها، فالحلال بيّن والحرام بيّن بذاته حتى لو لم يبينه أحد.
أما عن تجانس الجملتين فقد جاءت جملة السبب ببيان خبر عن الإباحية وجاءت النتيجة بأحد الأفعال التي تعبر عن الإباحية وهو كشف جانب من الفتنة في شكل تناص معروف.
ثانيا؛ الشكل البنائي والتكثيف
تكونت هذه الومضة من عنوان مصدري مفرد منكر وجملتين بينهما فارزة منقوطة، واشتملت على أربعة مفردات وحرف(دافعوا، عن، الإباحية، كشقت، ساقيها) فعلين وضميرين للفاعل، ومايدل على المفعولين من خلال جملتي الظرف(عن الإباحية، عن ساقيها) وبذلك لا يمكن الاستغناء عن أي مفردة.
ثالثا؛ المفارقة وتعدد التأويلات
جاءت الجملة الثانية بخبر لا يلزم عن المقدمة في الجملة الأولى وليس متوقعا، ويتضح ذلك من خلال تفنيد التأويلات التى يحتملها المتن...
1- ربما تكون الإباحية بمعناها القريب؛ إحدى الشخصيات النسائية التى تقدم الإباحية في الفن أو الأدب ولا تخفى علينا تلك النوعيات، وعليه يكون معنى جملة العجز أن هذه الشخصية تمعن في تقديم الاسفاف عندما تجد من يدافع عنها، فتقدم المزيد في المجاز (كشقت عن ساقيها) ، أو تقدم المزيد واقعيا بأن تكشف عن بعض مفاتنها أو مفاتن النساء في أعمالها الفنية والأدبية، وذلك لتغريهم بالدفاع عنها وتسول لهم فعلهم.
2- قد تكون الإباحية بمعنى الاختلاط المذموم في أوساط الرجال والنساء، وانتشار الرذائل، فيكون إسقاط النتيجة أن تقدم الإباحية ذاتها دليلا على فساد المدافعين وتدحض حجتهم.
3- قد تكون الإباحية هي كل فكر يبيح غير المباح، ويستحل كل حرام، في إطار مجتمعي سياسي عام، وبذلك تكون مذمة لدعاة العولمة من غير ضوابط أخلاقية، هناك من يستبيح الدماء والحرمات والأموال على حد سواء وعلى كل مستويات المجتمع من رؤساء ومرؤوسين، فتكون النتيجة أن يثبت الواقع مابين تخلف وتأخر عن ركب الأمم أن الدفاع عن كل ذلك ماهو إلا استخفاف بعقول الناس.
وعلى ذلك؛ تكون الإباحية رمزاً، والدفاع عنها فعلا، والكشف عن ساقيها واقعا في شكل مجاز.
••••••••
سيد عفيفي
عضو اتحاد كتاب مصر