زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

« أرواح معلقة »_ بقلم: الأديب /‏عبدالرحيم خير




« أرواح معلقة » 

 



  أسمعُ قرقعة الأواني بالمطبخ، أستيقظ فزعا على أصوات زجاج يتحطم وطناجر تتطاير وترتطم ببعضها..

 عشرات المرات طلبت منها أن تترك تلك العادة المقيتة.

 تقول: بالليل يكونا نائمين.

أضحك بغضب: لا تجعليهما حُجتك، هي عادتك منذ أن تزوجنا لم يتغير شيء.

في كل مرة أسألها: ألا تفكِّرين براحتي، وأنا أستيقظ لعملي فجرا، ولا أعود إلا في المساء.

تعتذر وتطبع قبلة حانية على خدي، تغمز لي: لن تسمع أي صوت، تغلق الباب خلفها وتعود لتكمل جلي الأواني والتنظيف، وبمجرد أن تصل إلى المطبخ يعود صوت الزلزال.

أنظُر لهما في السرير المجاور هانئين يبتسمان، أقبلهما قبل أن تأتي وتعنفني.

_لاتوقظهما لقد أتعباني حتى ناما.

_ لا أستطيع مقاومة هذه الابتسامه التي تزين وجهيهما.

كلما سألتها: كيف يضحكان وهما نائمان؟!

_ تُضحكهم الملائكة، لكن حذار أن تلمسهم بقي الكثير من الأعمال، تَفقّدهم من بعيد.

......رُزقنا توأمـا بعد سنوات حُرمنا فيها الذرية، منذ أن تأكّدتْ من الحمل وهي تعمل حساب كل شيء لراحتمها، تَبَدّل نهارها ليلا، وليلها أصبح نهارا، كل أعمال البيت تكون بالليل؛ تَنْظِيف المنزل وجلي الأواني والترتيب، حتى الطعام صارت تطبخه ليلا، لأسبوع كامل وتخزنه بالفريزر، كي تتفرغ لرعايتهما طوال النهار.

( عمر ) يشبهني كثيرا، صورة مني بملامح صغيرة، كلما نظرت لصورتي طفلا ونظرت لوجهه رأيت هذا الشبه الكبير بيننا، و(جنى ) كانت بجمال القمر، أحب النظر لوجهها ومداعبتها، عيناها الخضراوان وشعرها الأصفر الحريري، وبسمتها التي تشبه أيام الربيع، كأنها نسخة من أمها، بسمتها تكفي لتنير أيامي وتنسيني تعب أيام طوال من الحرمان في انتظار من يُسمعني كلمة بابا.

في الأيام الأخيرة ومع هذا الوباء كانت تشدد علي دائما.

عند عودتي:

اترك حذاءك بالخارج قبل أن تدخل، احذر أن تلمس شيئـا، عقّم نفسك، وفور دخولك اذهب إلى الحمام، ثم تكررها (وقبل أن تلمس شيئًا).

مساكين صغاري مناعتهم ضعيفة، وهذا الوباء لايرحم.

وفي الصباح: 

أياك أن تنسى الكمامة والمعقم، لانعلم من تقابل أو تخالط في الطريق والعمل.

تهتم بأدق تفاصيلهما تخشى عليهما من كل شيء، حتى مني أنا وكأنهما أبناءها وحدها.

ِِِلاتتوقف عن إصدار التعليمات: احملهم برفق، لاتقبلهم في فمهم، ذقنك يُشوّكهم احلقه.

كانت تحتاط في كل شيء وتبالغ كثيرا في حيطتها، زيارات الطبيب أصبحت ضمن عاداتها المقدسة، تراجعه في كل شيء، زاد الأمر عن حده وأصبحت الزيارات متكررة، في البداية كنا نذهب جميعا، أخيرا وزيادة في الاحتياطات خاصة مع انتشار العدوى، اتفقنا أن تذهب هي مع عمر مرة، وأذهب مع جنى مرة أخرى، تقول: لو أصابنا مكروه _ لاقدّر الله _ لانتضرر جميعا.

هذه الليلة كنت احتضن( جنى) كانت مضطربة على غير عادتها، بكاؤها لم ينقطع طوال الليل، بمجرد أن غفّلت عاد صوت الزلزال، مضت أيام طويلة ولم أسمعه، استيقظت فزعا وجدتها تدور عابسة في المطبخ، تسمرت مكاني، كاد قلبي أن يتوقف، أخبرتني أن عمر يبكي بفراشه بشدة، أكيد بسبب تلك الرضوض التي أصابته في الحادث وقت ذهابنا للطبيب. أكملت دون توقف: كم مرة شددت عليك أن تعتني به ولاتتركه يبكي، كم مرة أوصيتك به، لاتهتم إلا ب( جنى) قالتها بحزم ونظرت إليّ نظرة أقشعر منها جسدي خِفت بعدها أن أخبرها أن( عمر ) لحق بها بعد أيام من هذا الحادث الأليم.


•••••••



‏عبدالرحيم خير










 

عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية