زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

« قراءة »_ بقلم: الأديبة والناقدة / كنانة عيسى _ في نص « حشائش خضراء »_ للكاتب / جمال الخطيب


 




« قراءة » بقلم: الأديبة والناقدة / كنانة عيسى


في نص « حشائش خضراء » 


للكاتب /  جمال الخطيب 



النص



« حشائش خضراء » 



    ظننت أنني تماسكتُ أمامك، أبعدت عيني عن أصابعكِ، أعلم أن دائرة  ذهبية صغيرة  تلمع في أحدها..تلك الفضية اختفت، لم أشأ أن أذكرها، ..شتاءان مرا بعدها.

  لا.. لم يكن الأمر كذلك..

   أرغمني الحنين على ترك الجبال، ضربت في الوعر ثلاثة أيام صوب الجنوب، وفي الرابع كنت على مشارف المدينة، كان بيتك معتما، وأزيز الطائرات يثقب أذني، شجرة الليمون أمام بيتك مسدت على رأسي ..أخبرتني أنك بخير، وأنك لست هنا.

   ‏

   ‏أظن أن الأمر مختلف قليلا ..

قذفتني بوابة المعتقل خارجا، أخبروني أنكِ غادرتِ المدينة، قالوا أنها ضاقت عليكِ، وأنّ لا عنوان لكِ..قالت جارتك لابنتها: أعطه رغيف خبز وقطعة جبن.. وضعت في يدي شيئا، أظنه ورقة نقدية.

  

   ‏البارحة ..

   للمرة الأولى أنهض ولم تضيق حنجرتي.

انتظرت أن تقفزي إلى ذهني ولم أختنق .

وقفت أمام المرآة وتذكرت بصفاء أني أفرق شعري إلى اليمين .

غسلت وجهي ولم أفكر بك

تناولت الشاي ولم أفكر بك

صببت كأسا آخر وتأكدت 

ولم أفكر بك .

ارتديت ملابسي ونزلت الدرج ولم أفكر بك .

ركبت الحافلة ولم أفكر بك .

مررت بجانب مصطبة الكافيتيريا التي كنا نجلس عليها ..نظرت بطرف عيني، كنتِ هناك ، وكنتُ معك ، ولم آبه، ولم أستدر لأتأكد.

قضيت النهار كله مع أشخاص لا أعرفهم ولم أفكر بك .

عدت إلى المنزل في المساء ..فتحت الباب بهدوء.

ولم أفكر بك.

  

  حلقتُ ذقني هذا الصباح.. في المرآة كنتِ خلفي، أزحتُ المنشفة عن وجهي، قلتِ لي: صباح الخير..كان شعرك مبللا.

  قلتِ أشياء أخرى سمعتها جيدا، وكان في الخارج حديقة حشائش خضراء.

  ‏ 

  ‏     لا طلاء  يعلو أظافرك، لمحتها بسرعة، لم تكن مشذبة،   تخيفني تلك الدائرة الصغيرة الذهبية،  تبادلنا أحاديث طويلة، ثمة شيء أثارك، كان الجو باردا، وقلتِ لي انك حزينة، وأن أعيد كتابة الحكاية  ..أخبرتك أنني سأفعل .

  ‏  

  لم أعرف ماذا أصنع بالورقة النقدية ..أخذها مني ولد صغير كان يمر في الشارع ..كبرت حبة ليمون على الشجرة أمام بيتك وأصبحت برتقالة، حملتها معي وعدت أدراجي إلى الجبال.

  ‏  ما زلتُ حتى اللحظة لا أفكر بك.



Jamal Alkhatib 

  



••••••••



« القراءة » 


نصوص الواقع الحالمة


كم نعجز  أمام.. نص مشوش...، فوضوي جسور، يصادر فيه إدراكنا اللحظي لمفاهيم الحب وجدواها.. ،سارده عاشق تائه.. منذ الأزل لا ملامح لفقده لا يقدر على تذكر صلاحية نسيانه ،مناضل عنيد يقطع الحقول والفيافي في نَفسٍ واحدٍ، بطل خارق يمضي بقداسة ذوي الكرامات.. فيعبث بالزمن ويستحضر وجه المرأة الغائبة وملامحها وأحاديثها وعواطفها في نبضات حالمة، فيتحول الليمون لبرتقال...  والماضي لحاضر، و الأشجار  المهجورة لراعيات مقدسات يبصرن الغيب ويدركن صدق النبوءات... كل ذلك.... بالحب وبالحب وحده.



لغة الخطاب السردي النفسية



يبدأ الاستهلال  بخطاب مباشر للمرأة الغائبة باستهلاك للذات المرهقة نفسيًا ، ينقل لنا وعيًا  حياديا، متحررًا من قيود الوقت، طازج التأثير،، فالحب قد انتهى، والعلاقة الرومانسية القديمة  انتهت بزواج الحبيبة، لكنها ما زالت تتأجج في وجدان السارد المضطرب الخارج من أزمته وسجنه،المقيد بخاتم زواج ذهبي، وعامين طويلين أو عقدين قاسيين أو دهرين ثقيلين.


كما ورد في النص


شتاءان مرا بعدها... 


قارئ النص سيمر بكل ثانية عابرة معاندًا انسياب الزمن

مثل سارده ،غارقًا في هوس وتطرف مبتلعًا شكًا لا ينفك يمتد  بانصهار الزمن وتجمده في مشاهد مؤرَّقة


لا.. لم يكن الأمر كذلك


أظن أن الأمر مختلف قليلا


البارحة


حلقتُ ذقني هذا الصباح..


تخيفني تلك الدائرة الصغيرة الذهبية،


  تبادلنا أحاديث طويلة،


‏  ما زلتُ حتى اللحظة لا أفكر بك


نبتلع كقراء ذلك التلكؤ بشغف.. و الألفة المحيطة بعناصر السرد اللانمطية، حين تأتي الذاكرة في غير مواعيدها

 نتلبس التقاطاً مسرحياً بمغزى درامي هائل باحثين عن الأجوبة


فضاءات الأنسنة وتجلياتها


 إن كانت النصوص ما بعد الحداثية،  قد اتسمت بالتشكيك والعشوائية والتردد، فإن هذا النص  ينبثق كانتماء حداثي (للحب المعاصر  ذي الهيئة المضطربة)  لكنه ينتقده  بلين وينفصل عنه برشاقة رافضًا كل القيم الثابتة (النضال السياسي، حضور الحب الذي انتهى، مرارة الفقد) ، معتنقَا اللامنطق خارجًا عن روح النمط الواحد، من خلال أنسنة أسطورية، تتجلى فيها شجرة الليمون أمام بيت الغائبة المهجور، بحكمة وتبصر وأمومة، فتحتضن السارد وتمسد رأسه،وتطمئنه عن مصير من أحبها، وتباركه كآلهة إغريقية كأنها (زيتونة البارنثيون الخالدة) التي كانت هبة الآلهة أثينا لرعاياها. 


وكما ورد في النص


شجرة الليمون أمام بيتك مسّدت على رأسي ..أخبرتني أنك بخير، وأنك لست هنا.



العوالم الاعتبارية الاستثنائية وسحر الأمكنة



ينقلنا الكاتب بخفة في فضاء السرد  بين أمكنة متطرفة حميمية ورمزية، نتنفسها وتتغلغل في أوصالنا، تعكس تشتت السارد وفقدان مطلقه، و وتعددية صراعاته المشحونة بحب صوفي نوراني ،و حرية مؤلمة  يفض جوهرها في ترحاله الوجودي، نحو الحقيقة المتشعبة، المراوغة، و المتحدة بخطوط الزمن والتي تفصل وعيه عن الماضي العذب و الحاضر  القلق نفسيًا


، (الحرب في مدينة الحبيبة) 

كان بيتك معتماً، وأزيز الطائرات يثقب أذني

( النضال الوطني) 

قذفتني بوابة المعتقل خارجاً


(مصطبة الكافتيريا وذكربات الحب القديم)

مررت بجانب مصطبة الكافيتيريا التي كنا نجلس عليها ..نظرت بطرف عيني، كنتِ هناك ، وكنتُ معك ، ولم آبه، ولم استدر لأتأكد


(منزل الحشائش الخضراء بين الواقع والخيال)

قلتِ أشياء أخرى سمعتها جيدا، وكان في الخارج حديقة حشائش خضراء. 


الحرب في أعماق  السارد تخلق فوارقًا زمنية قاسية تعيد تشكيل الأماكن من خلال رموز  النضال المستمر، الفقد و الخيال المضطرب  


امرأة السرد


 تميز أسلوب الكاتب دائمَا بإظهار  امرإة السرد بأنوثة مختلفة،يستعير وجودها الإنساني خلود الآلهة المؤقت،يصوغها في حلمه بمذاقه الخاص ، في إشراقاتها وظهورها المرهون بحالة السارد المتقلبة المشوشة ليحولها إلى برتقالة يحملها ك زاد في ترحاله  الدائم. 


لا ينتهي سفر السارد العاشق داخل أمكنته وفواصله الزمنية، فهو قادر على ارتداء نفسه بصحبة من لاتفارق وجدانه في تفاصيل حياته اليومية، مأخوذًا بنورانية  أنوثتها، أصابعها المقيدة بزواج آخر، أظافرها التي لم تشذبها، شعرها المبلل،وجهها المنبثق من مرآته الحزينة  أحاديثها الطويلة،وسطوة حضورها في تغيير مجرى الحكاية التي حسمتها  قسوة الحياة منذ زمن بعيد. 


 نص عشقي ارتدى انزياحًا تأمليًا صوفيًا،اختزل نهاياته وبدايته الغامضة بلمسات متلاحقة من العاطفة الملونة المتقدة، لتنتزعنا من أعماقنا فنعترف بتفرد مشهدي متذبذب كشف لنا أنساقًا مذهلةً بلغة رقيقة ،صادرت إدراكنا لقوانين أدبية الأدب، وأقفلت علينا عالم السرد المبتكر والمدهش،

في قلق دائم ينمو في وجدان البطل الذي لا يتماسك أمام من يحب، حين لا يفكر بالمتجذرة داخل روحه لأنها   امتلكت نواصي كينونته  للأبد.

إذهال يا أستاذ جمال... 




Kinana Eissa


10-1-2022
















عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية