زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

مرايا الوجع ك...قصة قصيرة، بقلم:أ. حنان الرقيق الشريف

مرايا الوجع
قصة قصيرة

بقلم:أ. حنان الرقيق الشريف 



هامت "حياة" على وجهها طويلا تبحث عن ابنتها التي غادرت دون رجعة..لمن ستلوذ بعذاباتها ؟ حتى أمًها لم تعِر يوما انتباها لأوجاعها. ارتاحت من عبئها يوم زفّتها إلى رجل غنيّ و سافرت تستكمل مشاريعها التي لا تنفذ.. و تقطّعت الأوصال..
لكنّها وجدت نفسها اليوم مجبرة على نقر إرسالية قصيرة" عودي بسرعة" علًها تتجرّع معها جمر الألم ..

هلّت أمها بعد أيام فلم تجد من "حياة" إلا حطام امرأة و بقايا أنوثة مشروخة. لا تعرف عن أطفال ابنتها شيئا إلاّ  الصّور. تزاحمت التساؤلات في حلقها لكن حياة لم تنبس بحرف. حالها تسوء كل يوم : هلوسة، أضغاث كلام ،عجيج و ضجيج..
استشارت طبيبا و بدأت جلسات العلاج لروح منهكة تترنّح تحت وقع الطّعنات..لم تكن تفيق من غفوتها إلا أمام مرآة عظيمة تعكس صورة  أسماك مزركشة. تأملت أدغال روحها ثمّ صرخت كمن يثور في وجه الطّغيان:
وددتُ لو كنت سمكةَ بلا ذاكرةِ، ليت حبال النّسيان تسعفني فأعبّ الماء الأُجاج، ليتها تقتلع شُهب التًأنيبلعلّني بحاجة إلى مرآة سحريّة تُخفي تقاسيم وجهي الكالحة و تخبرني أنّي حيّةذبلت أوراقي قبل حُلول الخريف ..
لم أختر أبدا مصيري، لم أكن يوما صاحبة القرار الأخير. نسجت أمي كلً الخيوط فكنت مدرّسة كما أحبت و تزوًجت "مخلصا" لأنه أعجبها. كيف لا 
و هو الثّريّ الذي سيشيّد لابنتها مملكة منيعة؟؟
ثم رحلت دون أوبة...عوّضني اللّه بطفلتين جميلتين دفنت في تربيتهما شواظ الإهمال..
كنت أشتكي من نشاطهما المفرط و من أسئلتهما الحارقة. فينزعج  مخلص من تذمّري . تنتظران بفارغ الصّبر رجوعه إلى المنزل فيضمهما إلى صدره.
كان  ينتشي برنّات ضحكهما . لكنه لا يجد وقتا لمناغاتهما و لم يلاحظ أبدا أنهما تزهران..  .لم يأبه قطّ لانشغالي عنه  بهما..
اِبتلعتني دوّامة العمل و تيّار الواجبات المقدّسة..
 أهملت المرآة التي كنت أقف أمامها بكل جبروتي. كنت أرغي و أزبد، أتخبّط في مضمار الحياة مثقلةَ بالأعباء. كيف لي أن أتحمّل كل تلك المسؤوليات ؟ سفراته كثيرة و غيباته أخذت تطول .
إن عاد فعراكنا  لا ينتهي .و "جلّنار" ابنتي الكبرى تنهشها مخالب الألم. تلاشت نجوم الفرح في عينيها 
و فقدت ثقتها بنفسها و تراجعت علاماتها. و تهاوى العرش و غاب الملك متّخذا من مكتبه ملاذا.
نهش الشكّ قلبي نهشا.. كدت أغرق في بحر لا قرار له. و حلّق جناح الرّحيل أمام ناظريّ. اِختار  زوجي العيش مع كاتبته و  لم أطلب الطّلاق حفاظا على صورة السّلطان . أين مملكتي العتيدة؟ خرّبت أركانها..
كنت أرى ابنتي تتوجّع في صمت . لم أستطع أن أكون اليد الحانية و الذراع الحامية  .. ذوَت نظرات الحب في عينيّ عندما سقطت في جبّ الخديعة. فهويت في داموس الانتقام.."
  همت دموع "حياةثم حدّقت في  الأسماك الثّملة في الحوض و طفقت تمشّط  خصلات الشّجن
"أ لا تتذكرين دهشة ابنتيّ و هما ترمقان أمّا غريبة عنهما. اخترت اسما جديدا على صفحات التًواصل.غيرت صورتي العتيقة بغادة تدعى الزنبقة السّوداء.   و محوت اسم زوجي  من بند المذكرات. أغرتني دعوة شاب أنيق يكنّى بالنّسر الشامخ.عشقت حروفه المضمخة بعشق لم أدرك يوما كنهه،  فانتعشت أوراق الضّلوع. و تدلّت عراجين الفرحة و ابتهج  الفؤاد بعد جفاف. تهاطلت رسائل الغزل المبلّلة بالهيام. كنت ألتهم سطوره التهاما.
ويلي من قلبي المنتحر على شفير الافتراضي . كلّ ليلة أستجدي بوحه على شرفته الالكترونية.اِسمه المُستعار يغريني بالتّحليق بعيدا بعيدا ..خسرت معه  ولائي لأخلاقي و ديني . سألني أكثر من مرّة عن اسمي الحقيقيّ فتلحّفت  بستار المراوغة..
 و ذات مساء طلب منًي اللًقاء  فلبيًت الدًعوة  دون تلكؤ..أنوثة صارخة تتضوًر جوعا إلى حلاوة لقاء بنسر محلّق يثأر لكيانها المكلوم  .توجهت إلى فضاء الحلم العقيم . تمنيت ألا يكون بطلي الأعرج  أو الأعمى في قصص المواعيد المؤجّلة..
 بغتةً لسعتني إطلالة "مخلص" متربًعا على عرش وثير يستنشق زنبقةَ سوداءَفهويت على بلاط متجلّد مغشيّا عليّ..
و وصلتني بعد أيّام دعوة إلى جلسة طلاق للضّرر"

خرست "حياةو لم تتفطًن إلى بصيص نور تسلّل من نافذة العيادة عكس أشعّته على المرآة المتوجّعة فخالت "جلّنار" طفلتها البريئة واقفةََ على أعتاب الغرفة تكاد تهوي من هول الفاجعة . نزفت المرآة دموعا حرّى فهوت حياة بِقبضتيها على صفحتها  و ألقت  بحوض الأسماك  على الأرض فتناثرت الشًظايا ، ثم استرسلت في عُواء محموم و زاغت نظراتها  
و هي ترى سمكة مرقـّشة تتخبّط في عناء شديد باحثةَ عن النّجاةِ ..
و راحت تُدندن لحنا متحدّيا :
"*قل لي كلاما بلا ذاكرة
تعبت من البحر يغتالني
تعبت من الرّيح و الشمس و الموجة الثائرة.."(*كلمات الشّاعر التّونسي جعفر ماجد)

عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية