تمحيص
قصة قصيرة
بقلم: أ.زهراء ناجي
قررت الحكومة الرشيدة دفع نصف ميزانيتها السنوية وذلك من أجل استجلاب اختراع جديد من دولة غربية ديموقراطية، وهو عبارة عن جهاز لكشف المواطنين الصالحين من الغير صالحين. بات الناس في خوف مريب يترقبون قدوم هذا الجهاز العجيب الذي يطيح بالفاسد والمسيء ويضعه تحت حكم القانون ويحاسبه على مافي صدره أو مافعله.
مايميز هذا الجهاز أنه يعرض الخطايا أمام أصحابها كفيلم سينمائي قصير متكامل،
فمن خلال توصيل خيوطه بالدماغ ، يظهر مثلا السارق كيف سرق أو اختلس، وكما يظهر كل خطيئة فعلتها النفس المربوطة بهذا الجهاز سواء كان حقا عاما للدولة أو فيما يتعلق بحقوق الناس فيما بينها.
فمثلا تستطيع حتى الزوجة الشكاكة أن تتقدم بشكوى لوضع زوجها تحت هذا الجهاز لتتحرى إن كان يخونها مع غيرها.
لهذا الجهاز ميزات أخرى كثيرة، وأهمها أنه أيضا يتيح للدولة أن تحمي أمنها القومي والسياسي، وذلك بأنه يستطيع أيضا أن يكشف تفكير ومايخالج العقول والنوايا، حتى قبل الإقدام على فعله.
ياله من جهاز رائع وفعلا يستحق أن تدفع كل الميزانية لمثل هكذا جهاز متطور؛ هذا ماقالته الحكومة ببيانها وموقعها الرسمي.
تتعرى الأرواح أمام الجهاز ليكشف الستار عن الكثير من الخفايا والتي حاول أصحابها خداع المجتمع بذلك القناع من الطيبة والمحبة المزيفة.
جلس أبو محمد على الأريكه بعد أن انتهى من صلاته وهو يستغفر ويسبح الله ويعد أذكاره على مسبحته؛ وعيونه ناظرة إلى الصور المعلقة على الحائط قبالته، يتذكر زوجته التي وافتها المنية على سرير صدئ في غرفة تملؤها عشرات المرضى بالمستشفى الحكومي العام.
لم يكن يكفي راتبه التقاعدي كسائق في مصلحة نقل الركاب لدفع أجور علاجها،
تلك الزوجة التي لم تتحمل الحزن الذي سكن قلبها عندما رأت ابنها الوحيد في تابوت مغلف بعلم وطنه، الدكتور الشاب الذي تطوع لعلاج جرحى المعارك لم يترك غير صورة شهادته معلقة على الحائط بجانب صورته دون أي مكافأة تمنحها له الحكومة أو دون راتب تقاعدي.
نهض أبو محمد متكئا على عصاه واتجه نحو الصور، توقف لحظة ليتساءل مع نفسه كيف يكون هذا الجهاز ولماذا تضع الحكومة رعاياها تحت هذا الاختبار وتصدر الأحكام بناء على شيء ربما لم يقترفه أحد أو فقط فكر فيه أو ربما قاله في ساعة غضب،
إنه تصفية على أتم وجه لتقضي على كل من حاول أن يقف بوجهها وينادي بالإصلاح، ولتحجب عنها كل من ينافسها على كرسي الحكم لتكون هي الراعية الرشيدة المصلحة. كما ستتجمل أمام العالم بأنها لا تشهر السلاح ولا تستخدم أساليب القمع والهراوات ضد أي محتج.
نعم هي وسيلة للتصفية تحت طائل القانون لتبقى منفردة بخيرات البلد وكرسي الحكم.
في صباح اليوم التالي دوى صوت رصاص متقطع بالقرب من مجلس الرئاسة الموقر
تجمع الناس في المكان، فإذ برجل عجوز قد أعدم ميدانيا وبجانبه عصى مربوط فيها قطعة قماش كتب عليها؛
(تسقط حكومة الرعاع وعاش الوطن وشعبه المقدام).
#زهراءناجي