كان يا ماكان
قصة قصيرة
بقلم: أ.دلال سليق
#اليوم_الأول
سافرت شهرزادُ من حيّ البسطاءِ والشُّطّار إلى قصرِ الملكِ شهريار في هودجٍ ذي ستائرَ حريريّة تُرِكَ منه القسم الأمامي معقوداً بشرائطَ عسجديّة
وهالَها منظرُ الفرسانِ الّذينَ اصطفّوا على الجانبين كأنّهم في ساحة الطِّعان، وعزفتِ الموسيقا أجملَ الألحان، وتعالى قرعُ الطبولِ، ونادى المنادي في إعلان: اليومَ تُزَفُّ شهرزادُ للملكِ شهريار!
ونظرَ الجمعُ إليها وغضّوا بصرهم إشفاقاً وأسفاًعليها فغداً تكون في عِداد الأموات.
دخلت شهرزادُ البلاطَ برباطةِ جأشٍ دونَ خوفٍ أو وَجل. وقد خطّطتْ أن يبدأَ يومُها بطعمِ الشهدِ والعَسل.
وفُتِنَ شهريارُ بجمالِها لكنَّ كبرياءَه جعلَهُ يكلّمها بعجرفةٍ فأينَ هي من جلالةِ ملكِ الملوك، وهل لقلبها أو لرأيِها قيمةأو وجود؟!
ولمّا انفردَ بها شهريارُ بادرته بالكلام بعد رمي السّلام في رقّةٍ واحتشام ثمّ قالت:
أرى مزاجَ مولاي معكّراً فإن شاءَ أُنشِدُ الأشعارَ أو أسردُ القصصَ والأخبار.
فأشارَ إليها أن تكلّمي بما تشائين.
قالت شهرزاد:
بلغني أيّها الملكُ السّعيد ذو الرأي الرّشيد أنّ هناكَ أقواماً فاقتْنا في العلمِ والمعرفة، منهم من صعدَ للقمر وآخرون غدا مااخترعوه مصدرَ الخطر .
تراهم كالطيور يتنقلون فيصلون بلمح البصر. ويرون في مرآةٍ أمامهم. الصديق والعدو، ورغم هذه الأمور تجدهم في صراعٍ يحفرون لبعضهم القبور.
منهم من قضى نحبه وفُجِعَ به ذويه، ومنهم من سافر وركبَ الخطر ومااستفادَ من ناقة أوجمل.
فقال شهريار:
وماسماتُ الناس فيهم؟
أجابت شهرزاد:
رجالُهم قسمان:
ولمّا همّت شهرزاد بالكلام والإفصاح لاح الفجر والديك صاح.فسكتت عن الكلام المباح ،ونجت من الموت الزؤام فالملك على شغف ليسمع ماكان وماسترويه عن بني الإنسان...
**************************
#كان_ياما_كان
#اليوم_الثاني
وفي الليلة الثانيةبرزتْ شهرزادُ بإزارٍ أخضرَ، وقد تزيّنَتْ بالحليّ والجوهر، وتطيّبَتْ بالمسكِ والعنبر، وظهرت كمايليق بعروسِ السلطانِ وسيّدةِ المكانِ والزّمان.
وبدأ شهريارُ بالكلام فقال: حدّثينا ياشهرزادُ عن قِسْمي الرّجال في تلك الأمصارِ
فقالت شهرزاد:
بلغني أيّها الملكُ السعيدُ ذو الرأي الرّشيد أنّ القسمَ الأوّلَ منهم معدمٌ وفقير، يقضي يومَهُ بالكدّ والعناء وما يحصّلُهُ لايكفيه ، وتراهُ صامتاً ساهياًكأنّ حياتَهُ لاتعنيه. و منهم من لاتجدٌ له بيتاً يأويه، ولا إرثاً يغنيه.
وترى أغلبَهم إمّا انشغلَ بالعلمِ والتّحصيلِ فزادَ فقراً ولم يجدْ سبيلاً للكسبِ والتّحصيل، أو لم يفلحْ في العلمِ فتسكّعَ حتى ملّتْهُ الطرق فتخبّط في الضّياعِ والبطالة أو وجدَ صنعةً يتعلّمُها يُقوِّمُ بها تلك الحالةَ.وماذاك إلا لهجرِهم أراضيهم وازدحامِ المدنِ بهم،
فالرّيف يعطي والحبّةُ تنبت سبعَ سنابلَ وكلُّ سُنبلةٍ فيها مئةٌ حبّة.
والقسم الثاني غنيّ الجيوبِ كدّسَ الذهبَ والفِضّةَ وظنّ الغنى غنى المالِ بينما الغنى غنى النفسِ والشعورِ بالفقراءِ ومرّ الحال،وهؤلاء بهرتْهُمُ زخارفُ الدُّنيا ولم يتزودوا رغم أنّ خيرَ الزّادِ التّقوى
وترى الوجومَ يخيّمُ على القومِ وكأنّ هناك بُركانٌ خامدٌ والسيوفُ صدِئَتْ من طولِ البقاءِ في أغمادِها.
تلك السيوفُ كانت لأجدادِهم وقد صنعَتْ أمجادَهم
لكنّهم استبدلوها بالبنادقِ وبها البارودُ أكبرُ صاعقٍ ، وحتى لايٌبَحُّ حلقُها يطلقون منها الرّصاصَ في كلّ احتفالٍ فتهربُ الطّيورُ متعجبةً من هذا المآل.فهي تحملُ إليهم رسائلَ من سبايا يستجرْنَ ويطلبْنَ النجدة والعون؛ لكنّهم لايلقونَ بالاّ لتلك الرسائلِ وقد يكتفون بإطلاقِ دمعة أو تكويرِ قبضةٍ سرعانَ ماتتلاشى ،إذ
يهربون إلى هواتِفهم النّقالة فيلعبون أو يتصافحون ..
قال شهريار:
ومادور النّساء وكيف هي أحوالهنّ وماهي صفاتهنّ؟
وفي تلك الأثناء بزغ الفجر ولاح، وأطلق الدّيكُ تحيّة الصباح فسكتَتْ شهرزادُ عن الكلامِ المُباح.
**************************
#كان_ياما_كان
#اليوم_الثالث
أفاقت شهرزادُ على حفيفِ الأشجارِ ، وتغريدِ الأطيارِ فحمدَتِ الواحدَ القهّار، وأمضتْ بقيّةَ النّهار في رحابِ القصرِ تسألُ الجواري عن هُمومهنّ وما يعانين في حياتِهنّ. وأرسلتْ مع بعضِ الحُرّاسِ معوناتٍ لذوي الحاجات من أراملَ وشيوخٍ وذوي عاهات.
فقد كان تحتَ تصرُّفِها الكثير من بيت المال وأهدى لها شهريار الكثير من الجواهر بالمثقال.
ولاعجبَ في رقّةِ قلبِها وشهامتِها فقد تربّتْ في كنفِ أبٍ طيّبٍ كريم،وأمّ مدبّرة، عزيمتُها لاتلين، وتتلمذَتْ على يدِ مربٍّ حكيم.علّمها شرائعَ الدّين،وحبّبَ إليها العلمَ واليقين.
ولمّا جاء المساء
حدّثْتْ شهريارَ عن النِّساءِ كما شاء.
فقالت:
والنساءُ يامولاي في العصر الحديث مختلفاتٌ ،
فمنهنَّ فاضلاتٌ مُحصّناتٌ ينظّمن أوقاتَهنَّ ويعتنين بأنفسهنّ وبأسرهنَّ،ويبنين الأجيال.
ومنهنَّ تائهاتُ اللبِّ لاتستقرُّ بهنَّ الأمورُ على حال،وليسَ لهنَّ غايةٌ سوى المال. همُّهُنَّ القشورُ، وتوافِهُ الأمور. فكلّ يومٍ في صورة ولون .لونظرنَ في المرآة لما عرفن من فيها تكون.يغيّرْنَ خلقةَ الله التي جعلَها في أحسنِ تقويم ، ويتركْنَ الأطفالَ للشارع فينشؤونَ بلا ضميرِ أو وازع،
قال شهريارُباستغراب:
أوليس للرّجالِ كلمةً عليهِنّ أو قرار؟!
فأجابت شهرزادُ:
مثلُهنَّ ليسَ لهنّ اصطِبار ،فإن عنّفَها الزّوجُ طلبت الانفصال، ولاينفعُ معَها نُصحٌ أو مَقال.
فيسيرُ المجتمعُ إلى الانحِلال، ومصيرُه لابدَّ إلى زوال، إنِ استمرَّ على تلكَ الحال...
قال شهريار:
لذلك أكرهُ النساءَ، وسببُ كرهي لهنَّ مالقيتُه من زوجتي فأنا أقتلُهُنّ انتقاماً منها. فقالت شهرزادُ
عُذراً مولايَ فليسَ كلُّ النّساءِ سواءً ، وليسَ كلُّ الرّجالِ أكفاءَ. فلو عرفْتَ قصّةَ أمِّ جابرٍ لغيّرت نظرتَكَ عنِ النّساء.
فقالَ شهريارُ بلهفةٍ مشوبةٍ بالشكِّ: ومَنْ أمُّ جابرٍ تلك؟؟
وهنا أدركَ شهرزادَ الصباحُ فسكتَتْ عن الكلامِ المُباح.
**************************
#كان_ياما_كان
#اليوم_الرابع
نزلَتْ شهرزادُ إلى حديقةِ القصرِ، وجمعَتْ باقةً من الزّهرِ. فازدانَ الروضُ بها، وزادتْ نفحاتُ العطرِ.
وأخذَتْ تسألُ عن ذوي الصّناعات، وعن شؤونِ الفلّاحين والفلّاحات ،وأصحابِ الحرف.
ولم ينسِها حالَ الشعبِ الترف...
ولمّا حلَّ المساء
قال لها شهريار:
حدثينا ياشهرزاد
فالشوق إلى حديثك قد زاد .
وترين أنّي عليك صابر لأعرف من تكون أمّ جابر..
تنهّدت شهرزادُ
وأخذت نفساً عميقاً ثمّ قالت:
أمُّ جابر يامولايَ
صبيّةٌ حسناءُ،
وجهُها قمرٌ في الضّياء، وشعرُها كما الليلةِ اللَّيلاء .
كلامُها سحرٌ ونشرُها عطرٌ. صمتُها حكمة،ومرورُها نسمة.
خطبَهاقاسم فأقيمت في الدّيار الأفراح والليالي الملاح،
ثم أنجبت ابنتين في العمر متقاربتين.
وفجعت بالعديد من الأبناء حتى جاءها جابر
ثم رزقت بابنتين تقرّ بهما العين.
ولمّا بلغت الكبرى السادسةَ عشرةَ زوّجتها من ابن عمّ لهابعد أن جهّزتها أجمل جهاز، فأنجبت غلاماً وفي حملها الثاني أصابتها حمى، وانتقلت لجوار ربها.
وعلّم أهل زوجها ابنهاالصغير أن يرقق قلب ابنة أم جابر الثانية لتقبل بابن عمّها وترعى ابن أختها.
لكنّ مشيئة القدر أن تموت الثانية أثناء الولادة، وتتبعها المولودة الصغيرة.
أمّا الطفل الصغير فقدأفزعه ديك الحبش وأصيب بالجدري ومات.
قال شهريار:
أليس غريباً أن تموت الزوجتان والأطفال لهذا الرّجل؟!
قالت شهرزاد:
لقد عُرِفَ بسوء الخُلُق وكان يكفر بالدّين ولاشكّ أنّ الله عجّل له بالعقوبة،ليهديَهُ إلى التّوبة. لقدفُجعَت أمّ جابر بابنتيها وهما في عمر الزّهور وصار مقيلها بين القبور.
وعزّاها زوجها بقوله:
لله ماأعطى وله ماأخذ .هوّني عليك واصطبري فأنت أثيرة عندي وأخشى عليك من الضرر.
وبعد مدةأصيبِ زوجها بالمرض فقال لها:
أرجوك ..لاتدعي أولادي يبكون جوعاً أو يحتاجون لأحد. وسرعانّ ماجاور ابنتيه .ولم يترك إلا الصيت الحسن.
لقد طلب أمّ جابر كثيرون للزواج لكنّها أبت وانصرفت لرعاية أولادها..
كان جابر في الحاديةَ عشرةَ من عمره
وأختاه الصغيرتان إحداهما في الثالثة والثانية عمرها عام واحد.
أتمّ جابرٌ حفظ القرآن ونبغ في الخطابة بين الصبيان؛ لكنّه بحاجة للعمل ليعيلَ أمَّهُ وأختيه.فعمل حارساً عندَ مدير المال، وعملَت أمُّ جابر في دارِ الأيتام لتجلبَ لأطفالها الطعام، ولم تقبل معونةً من غريب أو قريب.
وفي أحدِ الأيّام جاءها مدير بيت المال بأحد الأخبار ..
فقد سافر جابر إلى فلسطينَ ففيها أولاد خالته للعمل. وترك عهدته كاملة ،وطلب منه إخبار أمّه بأنّه سيرسل في طلبها مع أختيه .
ولدى وصوله انفجرت الثورة في فلسطين على الانكليز ومن يعتدي معهم من الصهاينة وانتسب جابر للجيش العربي،
وعرفت أمه بالخبر وخشيت عليه من الخطر ،ودعت له وللقطر الشقيقِ ببلوغ الوطر.
ثمّ هدأت الأحوال وانتقلت أم جابر مع بناتها إلى فلسطينَ
،وعاشوا فيها أجمل أيّام العمر وأحلاها. وكم تنزّهوا في بيّارات غزة وأكلوا من ثمارها ؛ وقد تعلّق جابر بابنة خالته وكان الاتفاق أن يخطبها وتُخطَبَ أُختُه لابن خالتها. لكنّ الحربَ قامت من جديد فقد أعطى بلفور لليهود وعداً بأن يعطيهم فلسطين، وأبى الشعب أن يهدأَ أويستكين.
فقال شهريار غاضباً:
وماذا بعد.. ومن ذاك الوغدُ وهل هي بعض أرضه ليعطيَها هديّة لغيره؟!
قالت شهرزاد بحسرة:
وسقط ابنها جابر شهيدا وسال دمُه ودمُ ابنِ خالته ورويا تراب أرضهما المقدّسةوآمنا بأنّ يكون نصر الله أكيدا.
زغردت أمّ جابر، وضمّت إليها ابنتيها واضطررْنَ للعودة إلى ديارهن، وفارقت أم جابر أختها والنعيم الذي كانت فيه.
عادت لتكمل مسيرة الكفاح.
استأجرت غرفةً تأويها،وعلّمت ابنتيها الخياطة، وأخذن يقدّمن الانتاج للسوق.
ولكنّ يد العدوّ قصفت البلدة التي عاشت فيها
فانتقلت إلى المدينة وسكنت مع ذويها؛ لتبدأ من جديد..
قال شهريار:
قليل من يكون لهنّ صبرٌ مثلها بين النساء،وهي جوهرةٌ تستحقُّ الثّناء.
**************************
#كان_ياما_كان
اليوم الخامس
دخلت شهرزاد القاعةفي أبهى الملابس، وكان شهريار يتصدّر المجالس ونظر إليها وهو عابس.
وابتدرها قائلاً :
بتنا قلقين على أمّ جابر، وحظها العاثر.
قالت شهرزاد:
بعد أن رجعت أم جابر للبلاد،اعطاهاإخوتها مالاً من إرث أبيها
ففتحت ورشة صغيرةللخياطة،وزوجت الابنتين،ورزقت البنتان بالأولاد،فقرّت عينا أم جابر بالأحفاد وظلت وحيدة لاتثقل على أحد ؛بل تعطي الجميع .وآلمها ماحصل لابنة جيرانهم نغم
قال شهريار:
وماالذي حلّ بها؟!
أجابت شهرزاد:
كانت نغم من اجمل البنات، تفوقت في المدرسة ونالت أعلى الدرجات؛لكنً أهلها زوجوها وهي ابنة تسع سنوات مع أنّها من القاصرات،وزوجها في الثانية والثلاثين.
طمع أهلها بالمال وهي طفلة تلهو مع الأطفال.
لاتفهم كيف تسير الأمور،وأي شيء تفعله مغمور.
حملت الصغيرة وباتت مثل الكرةالكبيرة.
ولما جاءها المخاض ماتت تحت الألم،وأكل أهلها أكفهم من الندم.وبكى الزوج رغم أنّه مشارك بالإثم.
أجاب شهريار:
تباً لهم من أشرار .وهل كل النساء وقع عليهنّ الظلم والعذاب
قالت شهرزاد:
سأحكي لك مانذرت أم زاهر عند مرضهاوالألاعيب التي قامت بها.
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح.
**************************
#كان_ياماكان
#اليوم_السادس
وفي المساء قال شهريار:
حدثينا ياشهرزاد عن أم زاهر ونذورها،وألاعيبها وفنونها.
قالت شهرذاد:
أم زاهر يامولاي امرأة أرملة فقيرة وحيدة، مرضت مرضاً شديداً ولم يأت لزيارتهاأحد، ولم يكن لها أهل أو ولد، وكادت تموت من الجوع فقالت إن نجوت من هذه الوعكة فسأقوم بثلاثة ألاعيب(خُدع).
وبعد أيام سمعت صوت بكاءٍ صادرٍ من بيت الجيران، فعلمت أنّ ابنهم الرضيع قد مات.تبعتهم إلى المقبرة وبعد أن رجعوا أخرجت الصغير وأخذته إلى دارها وخاطت له ثياباً من أسمالها،وتوجهت إلى محل شيخ بندر التجار وطلبت أنواعاًغالية من القماش ثم قالت للرجل: لايكفي مامعي من المال سأذهب للدار وأعود في الحال، وأترك ابني الصغير لديك في القاعة فهو نائم ولن يفيق قبل ساعة.
ولما عادت سألت عن الطفل بلهفة فقال لها التاجر:
ماشاء الله كما تركته٠
حركت الصّبي وصرخت عالياً:
ماذا فعلت بابني؟!
إنّه لايتحرك !
أين الشرطة؟
اقسم أنّك ستهلك، فحلف لها أنّه لم يمسَّ الصبيّ،ورجاها أن تصمت ولا تعرّضه للفضيحةوالأنباء القبيحة، ولتأخذ ماتشاء.
وعادت أم زاهر مع القماش والأغراض بطفلها المزعوم ومعها من المال مبلغاً لقلبها المكلوم.
وأعادت الطفل للقبر وعادت لتحضّر لبقية الأمر.
قال شهريار:
يالها من ماكرة ألم تكتفِ بعد؟!
تابعت شهرزاد:
خاطت أم زاهر الملابس التي يرتديها عليّة القوم من القماش الباهظ الثمن الذي حصلت عليه بالمكر والحيل.
وكان المنادي يعلن عن قدوم ملك لزيارة البلاد ، فذهبت إلى قصر الملك ،ودخلت إلى قسم الحريم، وأخبرتهم أنّها زوجة الملك الضيف وقد سبقت الموكب، فاستقبلتها النساء وخلعن عليها العقود والحلي وادّعت بأنها حامل .
وفي المساءقلن لها: ادخلي على زوجك مؤكد أنّه مشتاق لك.
دخلت على الملك الضيف فسألها: من أنت؟
فقالت له:
من العادات لدينا أن يرسلوا محظية إلى الضيف لتسليه.
وبدت أم زاهر جميلة أنيقة فسألها مااسمك ياجميلة؟
فقالت له: اسمي: "زغردوا"
وأخذت تحدّث الملك وتسليه إلى أن نام فأخذت الحزام وكان مليئاً بالجوهر وخرجت مسرعة وغافلت العسكر . وصحا الملك من النوم وهو يصرخ بأعلى صوته :زغردوا،زغردوا !
فعمّت الزغاريد القصر وظنوا أن زوجة الملك وضعت غلاماً
وبينما فهموا القصة وعرفوا الخدعة كانت أم زاهر قد وصلت إلى بيتها فوضعت ماجمعت تحت بلاطة، وفرشت فوقهاسجادة ونامت.
وتجوّل العسكر وبحثوا وذكروا للناس صفاتهاوملابسها دون جدوى ودقوا بابها فقالت: الباب مفتوح وتظاهرت بالمرض،
فقال شهريار :
وكيف انطلت عليهم الحيل،وهل الفقر يدعو للسطو والدّجل؟!
فقالت شهرزاد:
هناك من يسرقون ليكنزوا الذهب والفضة، وليسوا يحاجة؛لذا ينتشر الفقر وتكثر الجرائم والغدر.
قال شهريار:
وماذا يفعلون بتلك الأموال، وهل يأخذونها للقبر؟
قالت شهرزاد :
بسبب ذلك الجور ظُلمت الفتاة المدللة بدور.
قال شهريار:
وماسبب ذلك الظلم؟
وهنا أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح
**************************
#كان_ياماكان
#اليوم_السابع
قالت شهرزاد وقلبها يعتصر ألماً، وهي ترى في بدور مابشبه حكايتها ومايدفعها لتثور.لكنّ الخوف من الموت أخمد البركان وألجأها للقصّ والبرهان.
بدور يامولاي صبية لها من اسمها نصيب؛لكنّ أمالهاأخذت تخيب وهي ترى أهلها يرمون بها للتهلكة.
قال شهريار:
وكيف كان ذاك؟!
تابعت شهرزاد بأسى:
كان أهلها فقراءوليس عندهم مأوى ، وبيتهم بالأجار وصاحب الدار أنذرهم بالإخلاء، ولم يجدوا بيتاً آخر .
فكان قرار الأم تزويج بدور لرجل غريب ميسور وليوم واحد مقابل مبلغ من المال يكفي لشراء دار صغيرة يأوون إليها.
_وماذا كان موقف بدور؟
_بدورضحّت بنفسها لتنقذ أهلها من الرمي في الشارع؛ لكنّ المؤسف كيف قبلت أمها بلا ضمير أو وازع.
لقد عرضها الثريّ اللئيم على حكيمة ليتأكد أنها بكرولانعلم كم ضحية نالها بالمكر والقهر.
وفي اليوم التالي طلقها دون أن يخشى عقاباً او يشعر بتأنيب ضمير.
وماذا حلّ ببدور؟
تعلمت تصفيف الشعر وعملت مع إحداهنّ في محلّها كي تنال الأجر .