قراءة بقلم: الأديبة والناقدة: كنانة عيسى
لقصة هذا الأسبوع من فقرة؛ نقد وتحليل القصة القصيرة
« متوالية » للأستاذ: نزار الحاج علي
•••••
القراءة
النص الرمزي
عودنا الأستاذ نزار على نصوص فلسفية وجودية تطالنا فلا نطالها،تسكن فينا حيزًا عميقًا، يحرك الوجدان ويستفز الذاكرة.
وفي هذا النص الرائع نقف أمام أسلوب متمكن،ولغة حسية عميقة،تتناول معاناة مجتمع وصم بالموت العبثي،حيث برزخ الانتظار يقبع على الجانب الآخر من الحياة، يعبر فيها الباحثون عن الحياة إلى حتمية الموت وعدميته. تاركين خلفهم قلوب نسائهن المتفجعات على اختلاف شخصياتهن، فالجدة أمينة تنتحب في حزن تحول غضبًا ونقمة و الأم تتدثر بابتسامة باهتة تتجذر ألمًا قاتلًا ثم يأتي دور الزوجة الحامل التي ستواجه فقدها بطريقة لا ندركها، رغبة من الكاتب في توريطنا في تأزم السرد ورمزيته.
يظهر السارد الشاب المقبل على الحياة، متحديًا لواقعه ،راغبًا بالتحرر من من قوقعة حياة بائسة اتخذت في المتن شكل (منزل العائلة المنكوبة) والذي ما هو إلا رمز للوطن الذي فقد أبناؤه انتمائهم وتجذرهم ،فهم غير قادرين على العودة حتى في الأحلام،.مراقبين بصمت ،موتهم الروحي،وانسلاخهم عن ذلك الوطن ،فكأن الموروث الوحيد الذي يتعاقب عليهم متمثل باختفاء وجودهم وزوال كينونتهم، فالموت هنا بشكله الرمزي، يتحدى عقل المتلقي ضمن تجربته الداخلية التي سيسقطها على النص، أهو لجوء نهائي، أهي هجرة لا عودة منها؟ أم أنه موت عشوائي ممنهج يمارسه مجتمع فقد مصداقيته بسبب الحرب ربما أو ظروف الحياة القاسية؟
يثير النص كل هذه الأسئلة القلقة ،متعلقًا بجوهر الخذلان النفسي لشعب طحنته الحياة فلم تبق له إلا صراعًا غير متكافئ مع (ريح) تشكل صراعًا استباقيًا للجنين الذي لم يولد بعد.
ومن العنوان (متوالية) ندرك أن الكاتب يوحي إلينا بنبوءة سريالية عن الأوطان التي تلفظ رجالها وتتشبث بأراملها ونسائها الكسيرات المنكوبات الفاقدات بعجز لا نهاية له.
نص رمزي مذهل يدرك عقل القارئ وأعماقه ويوحي أن متتالية الشعوب المنكوبة ستستمر طالما أن أوطانها تفتح الأبواب للموت فقط غير عابئة بقيمة الحياة الإنسانية.
بورك مداد الكاتب المذهل.
••••••••••••••
•القصة المقترحة لهذا الأسبوع بعنوان « متوالية »
للأستاذ القاص: نزار الحاج علي
وهي القصة الفائزة بالمركز السابع في مسابقة
القصة القصيرة في دورتها الثانية الثانية لعام 2020.
••••••••••••••••
« متوالية »
منذً صغري اعتدت على رؤية جدتي أمينة، وهي تجلسُ تحت شجرة الزيتون الكبيرة في وسط الدار، تضعُ كفيّها على وجهها وتنتحب.
في البداية كانت تبكي حزناً على جدّي الذي غادرنا ذات صباح، ثم أصبحت تجيبُ بغضب لمن يسألها عن سبب كلّ هذا البكاء:
_أنه غادر دون وداع.
لاحقاً أصبح جوابها أكثر حزناً:
_ لم يزرني في الحلم ولا مرّة.
والدي أيضاً كان يُخبرنا عن أحلامه بالعبور نحو الجانب الاخر من الطريق، لذا في يوم حزين أنضمّت أمي إلى نفس المشهد، لكنّها على عكس جدتي لم تكن تبكي، بل أسوء من ذلك، لقد كانت تبتسم وكلّها ثقة بعودته سريعاً.
عيناها لم تفارق باب الدار، كلّما أدار أحدهم قبضته، سمعنا صريره المكلوم يصدرُ من قلبها.
بعد مضي بعض الوقت بدأت الابتسامة في التحول إلى مزاج سيء، وأحيان صارت تظهر على هيئة صرخة تضيء نوافذ البيت عند الفجر.
في الخريف الأول على مغادرته، تطوعت بالبحث عنه، لذا قررتُ العبور من نفس الطريق الذي سلكه.
عندما فتحتُ الباب، هاجمتني رياح عاتية، جعلتني أغمض عيني.
ثم أخذت تصفعُ جسدي بقوة، لذا أغلقته بسرعة، وغادرتُ مثلهم دون وداع.
سمعتُ جدّتي تهمس لزوجتي الحامل بعد أن أنضمّت إليهنّ تحت ذات الشجرة الهرمة:
_منذ أن أنتقلنا إلى هذا البيت، والجميع يرحلون واحدًا تلو الأخر، يبدو أن من بنى جدران هذا المنزل قد جبلها بالدموع!.
الآن أربعتهنّ يبكين بغزارة، حتى نبت نهرٌ عميقٌ.
على الضفة الأخرى انسدلتُ أنا وأبي وجدّي، نراقبُ بصمت...ولا نستطيع العبور.
•••••••••••••••••
نقد وتحليل القصة القصيرة
زمرة الأدب الملكية.
فرع القصص.