قراءة الأستاذ؛ Nabeel Najjar
لقصة هذا الأسبوع من فقرة؛ نقد وتحليل القصة القصيرة
« التماثيل » للأستاذ: مهاب حسين
________
للاستاذ مهاب أسلوبه المتميز الجاد في القصة وفي إرسال الرسائل عبرها.
قراءتي ستكون مختلفة بعض الشيء: فالكاتب هنا لاينحو باللائمة على التماثيل من حيث هي تماثيل ونصب، ولا من حيث هي تمثل الماضي ولكنه يواجهها بما تمثله حقيقة وبصفة شخصية.
فالتماثيل التي انتقاها فعلياً كانت لملوك ورؤساء وشخصيات حكومية.
إنه يتهم هذه الشخصيات المتحكمة قديما وحديثا في قوت الشعب ويحملها بشكل علني مسؤولية تدهور الشعوب وعجزها.
لقد لف ودار حتى وصل لطريق المطار، أعلن بكل صراحة أن هذه الشخصيات بنت مجدها على أكتاف شعبها وتركته عاجزا حتى عن تأمين قوته، أعلن أن رمسيس وغيره من القادة سواء نصبت لهم تماثيل أو لا فمجدهم زائف طالما لم يلتفتوا لمطالب شعوبهم فسيبقون عاجزين عن هش ذبابة معادية وسينحنون أمام كل عدو مستقوين فقط على شعبهم الكادح.
يقوي هذا الاعتقاد في نظري أن صاحب التماثيل لف ودار القاهرة واستعدى تلك النصب ولكنه لم يستعدي تمثال نهضة مصر مثلاً لان ذلك التمثال يعبر عن الشعب وليس عن القادة.
أتمنى أن أكون موفقا في هذه الرؤية المتواضعة لهذا النص المميز.
•••••••••••
•القصة المقترحة لهذا الأسبوع بعنوان؛ « التماثيل »
للأستاذ القاص؛ « مهاب حسين »
وهي القصة الفائزة بالمركز السادس
في مسابقة القصة القصيرة في دورتها الثانية الأولى لعام 2020.
{ التماثيل }
......
قلت :
- أكفر بالراحل والقادم وبالشوارع والميادين، وأكره كل التصاوير والبراويز..
- وبصقت صوب قرص الشمس المتدحرج من أقاصي الجنوب.
- ردد أبي : ولد عاق
- قالت أمي : قد جن
- 2
عرجت ناحية سور الأزبكية لا ألوي على شيء، وجه الأسفلت أينما رحت، عساكر المرور يقيدون حركتي، أنا الماضي نحو ما أريد وما لا أريد، مطحون بين الأسطح الخرسانية وأعمدة النور . زعقت :
- ما أحقر الراحلين.
- - إخرس يامأفون.
- - هه؟ ..وتلفت حواليه.
فرأيته واقفا منتصبا طربوشه يلمع. يرنو في استعلاء، قلت :
- أهكذا وصل بك الحال .. يحوطك الباعة والحواة بالأغاني القميئة .. يدك في جيبك، أمعك نقود ؟.
- برم شاربه في ضيق :
- ما أجحد الأحفاد.
- قلت :
- - ياجدي صار البلد ماخورا.. ماذا صنعتم ؟.
أخذ يردد في عنفوان، هابطا من فوق قاعدته الرخامية، مخترقا دائرة العشب الأصفر النابته حوله :
- يسقط الملك ويحيا الشعب.
- سار من أمام سور الأزبكيه وأشار نحو الباعة المؤطرين سور الحديقة :
- بدلتم الكتب بالتحف والأنتيكات.. أنتم التماثيل.
وقهقه عاليا رافعا ذقنه لأعلى.
قلت .. وأشعة الشمس تتساقط على وجهي فأنز عرقا :
- فلتسقط كل التماثيل.
- - قف يامأفون ساؤدبك.
- 3
بدا يسرع خلفي، فمرقت عبر الشوارع والمحال، والضوضاء المنتصبة، مارا من شارع عدلي.. واطئا ميدان طلعت حرب و....
- قف يافتى.
- - من ؟ والتفت.
- قال وهو يضيق مابين حاجبيه :
- كيف تجرأت على الأجداد ياولد.
- قلت ولهاثي يترجرج في صدري :
- ياجدي الخبير : راتب ضئيل وحلم قديم، وامرأة تشتهي السكن علي النيل..وأنا أخر سلالة الفراعنة لكني لست بفرعون.. حل.
- أووووووه.
- أسمعتم عن الصناديق المانحة ؟.
- - ماذا !! .. "في دهشة".
- - القروض الحسنة ؟.
- - لاتتصنموا .. تحركوا يافتى.
- - لاتفلق رأسي بالمواعظ.
وانا أبتعد شاخصا ببصري نحوه.. قلت :
- إخل مكانك أفضل.
- - انتظر ..
- وبدأ يهبط..
- 4
عدوت تتراكم في عيني الأخيلة والصور، تضغط على صدري الشوارع والأزقة، حتى وجدتني مابين أقدامه الغليظة عند طريق المطار، قلت :
-أنت كبيرهم ..رمسيس العظيم، فلتخبرني عن الحقيقة.
هز ذقنه الطويلة ولم يجب.
- ياجد أحلامي محنطة وجثث الموتي داخلي تزداد كل لحظة.
لم ينبس.
- نقبت فيُ كل الكتب وقرأت السير وتتبعت أخبار الفتوحات والغزوات .. لم أعثر على شيئ.
صمت.
- ياجد لم أعد أطيق .. كيف طردتم الهكسوس؟.
لم ينبس.
- ماذا تخفي في قبضتيك؟ ..
- أتستطيع ان تهش الذباب عن وجهك.
ورحت أبحث عن فأس لأحطمه. فانعقدت فوق جبينه تكشيرة كاللعنة، وقال وهو يقفز صوب الطريق ويتجه ناحيتي :
- تجرأت.
- 5
اندفعت تحت مظلة شمس حارقة بغير إتجاه وشعرت بأقدام ثقيلة من خلفي .. وبالتفاته وجدت جموع التماثيل تثب من أماكنها كلما مررت بها وتتعقبني .. صحت :
- كفوا عن ملاحقتي.
انتهيت إلى كورنيش النيل ، التقطت أنفاسي بصعوبه والنيل يتلألأ ذهبيا.
جلست على أريكة حجرية، تتساقط حبات العرق المملح علي فمي . لفحتني هبات هواء رطبة فثقل رأسي.. خفت النور بسرعة مذهلة ورأيت الظلمة في هبوطها الوئيد.
6
غفوت ساعة لا أكثر.
أفقت على صوت ليس قويا لكنه حاد. ووجدتني محاطا بالتماثيل.. يشكلون دائرة تكتمل استدارتها بي .. أبدانهم السوداء تلتمع بفعل الضوء الفضي المتساقط من القمر المرشوق بين إتساع البنايات، يحدجوني بنظرات صارمة، لايحركون ساكنا، قلت :
- لم أفعل شيئا.
قالوا :
- سببت والديك وصفعت المدير وتحرشت بالشرطي.
- معذور.
-وخرجت عن نواميس أجدادك.
- معذور.
-وتجرأت.
قلت :
-لا أملك من أمري شيئا.
ومضت أعينهم الحجرية، قالوا :
- إهبط.
- ما أنا بهابط.
حاولت الخروج من الدائرة، إرتطمت بسيقان صلدة..
- إهبط.
- ما أنا بهابط.
كرروا الأمر للمرة الثالثة .
خلعت ثيابي .. وقلتها بأعلى صوتي :
-فلتسقط كل التماثيل..
ونزلت.
•••••••••••••••
نقد وتحليل القصة القصيرة
زمرة الأدب الملكية.
فرع القصص.