« من أوراق الذاكرة »
إعداد وتقديم: أ. جمال الشمري
تنسيق وتوثيق: أ. سامية عبد السعيد
••••••••••••••••••••
« أوراق من الذاكرة »
الأستاذ: هيثم العوادي
عشق كتابة القصة القصيرة جدا، فكانت كتاباته وقصصه ذات طابع فريد ومميز
قصص مكثفة بدهشة أديب لامع
تلخص معاناة أمة عربية مقهورة بأكملها.
عفوية وبساطة وتكثيف قل نظيره، وقلم نتمنى ان يمتعنا أكثر وأكثر
بالاضافة لمشاركاته القصصية وفوزه في العديد من المسابقات، كان حكما في أكبر مسابقات الققج
______________
الولادة
في بغداد عاصمة العباسيين وعلى صوت مآذن الأمامين الكاظمين عليهم السلام التي تصدح بالنقاء، وخرير دجلة العظيم وبالقرب من عيون المها بين الرصافة والجسر، وعلى انغام قصيدة الاصمعي (صوت صفير البلبل)،بالقرب من شارع المتنبي وشهريار وكهرمانة والقشلة والمستنصرية، من قلب مدينة الثورة كانت ولادتي يوم الخميس التاسع من ربيع الاول الموافق14 /5 /1970، في حينها كان والدي يقضي مدة المكلفية جنديا في الجيش العراقي، بعد ان تجحفلت الوحدة العسكرية التي يخدم فيها الى الأردن، لمساندة القطعات العسكرية على الجبهة الاردنية، ولم يعد الا بعد ان اصبح عمري عشرة اشهر، كنت الاول في الترتيب من ضمن(*امبراطورية ميم) التي أسسها أبي بعد ذلك، على الرغم من احتوائه على حرف الميم الا ان اسمي كان الوحيد من بين أخوتي يبدأ بحرف الهاء (ميثم، مهيمن، مغيث، مناف، مهند، محمد، مصطفى ومجتبى)
*(امبراطورية ميم)فلم عربي لأسرة كل ابناءها بحرف الميم.
القديسة
جدتي اجمل ما شاهدت في حياتي، نسمة عذبة تمر على الوجوه في نهار صيفي لاهب، خفيفة الظل، تأسرك من اول كلمة، بل من اول نظرة، على عكس كل النساء بل كل الجدات، لم اسمعها تغتاب يوماً، لم تتكلم بما يغضب الله، محبة حنونة، كانت آية في كل شيء آية في اسمها، وجمالها،وكمالها، فهي اسم على مسمى.
مع ما تقدم من الاوصاف كانت آية وزيرة المالية في مملكة جدي فكل من يعود من عمله ابي او اعمامي يعطي جزء من مصرف البيت اليها، كانت تضعها تحت فراشها التي تجلس عليه، فآية كانت مقعدة لا تستطيع المشي الا على عكازها الخشبيّ، وهذه قصة اخرى اذ كسرت ساقها من الحوض والفخذ حين اخبرتها مرة ان ابي يضرب اخي الصغير بشدة ركضت مسرعة دون شعور كي تحميه من قساوة ابي الا انها سقطت وانكسرت ساقها ولان عمرها كبير، لم يلتأم او يجبر كسرها.
حينها كنت في الثامنة من عمري طلبت منها مبلغ خمسة فلوس لكي اشتري حلوى ،لكنها ابت ان تعطيني وبعد الحاح شديد، دست في يدي قطعة نقدية، اخذتها بسرعة وضغطت عليها قبضتي بقوة، فتحت يدي فكان بها درهم (خمسون فلسا) ما يعادل عشرة اضعاف ما طلبت ، ماذا افعل هل اعيده الى جدتي؟ اسكت !، صراع داخلي بين اعادته، وبين صرفه، انتهى بانتصار نفسي الامارة بالسوء غير آبه بما قد تتعرض له جدتي من تقريع جدي لاضاعتها المبلغ،
اشتريت حلويات لي ولأصدقائي بمبلغ خمسة عشر فلس بقي لدي خمسة وثلاثون فلسا، دخلت بتحدي معهم بدون شعور، قال احدهم:
-هل تستطيع بلع العشرة فلوس واكلها.
الثاني: -لا يستطيع.
الثالث: -انه جبان لا يقدر على ذلك.
- من هو الجبان ايها الغبي، استطيع فعلها. اجبتهم بكل ثقة، لم افكر كثيرا فتحت فمي رفعت القطعة النقدية سقطت الى بلعومي بسرعة لم اسيطر عليها، اصبح وجهي احمر وانا ابتلعها، انقطعت انفاسي، ارتبك الاصدقاء جلبوا لي الماء شربته انزلقت القطعة النقدية في جوفي، مع احساسي بالالم في بلعومي، والحازوقة التي بدأت عندي ولم تتوقف، بعدها ومع كل شهقة تحضر صورة جدتي امامي تلك المرأة القديسة، وان ما حصل لي بسبب خداعي لها.
بقي عندي نصف المبلغ جئت اليها نمت في حضنها الدافئ، وتسللت يدي تحت فراشها اعدت ما تبقى من المبلغ بكل هدوء دون ان تشعر وبقيت صامتا افكر فيما تعلمته واستوعبته من الدرس والعقوبة جزاء افعالي الى ان استسلمت للنوم بين يديها.
حروب تسرق الأرواح
بعمر العاشرة اندلعت حرب الثماني سنوات كان وقودها الشباب، يسوقون الى المعركة بدون تدريب او ورقة تثبت انتمائهم للمؤسسة العسكرية فيأتون الى امهاتهم بصناديق مغلقة، دخلت الجامعة في كلية الادارة والاقتصاد جامعة بغداد مع فترة استراحة الحروب في سنة 1988 لكن بعد سنتين اجتاح إله الحرب الكويت في سن العشرين وقد كنت طالبا جامعيا وهذا ما منع تسويقي الى الخدمة العسكرية، قام الشعب بثورة شعبية عارمة، وقد قامت الدولة بوأدها في مهدها، بدء القصف على المدينة في السادس من اذار عام 1991خرجنا من الدار هربا من القصف، والدي ذهب يبحث عن والده في مكان آخر، وأمي ذهبت تبحث عن امها التي هي ايضا سلكت طريق اخر، مع ان الصواريخ كانت فوق رؤوسنا استطعنا النجاة وذهبنا من مدينتي التي اعيش فيها كربلاء الى محافظة النجف وكان في عهدتي كل اخوتي، وامي وابي لا اعرف عنهم شيئا، لم تكن هنالك وسائل اتصال بالاضافة الا ان اي تحرك خصوصا من قبل الشباب يتهم بأنه معارض ويُعدم ميدانيا بدون محاكمة، كانت ايام صعبة حين يتحمل الانسان كل هذه المصائب والمسؤولية وهو لا زال في العشرين من عمره، منذ ذلك الحين تتوالى النكبات بين ظلم ابناء جلدتك وبين الأحتلال الامريكي الذي شكل مرحلة اخرى من مراحل الظلم على هذا الشعب، جاء بحرية مزيفة واشخاص ضعفاء فاسدون،وسلط علينا المصائب وجاءوا بداعش وخلقوا النعرات الطائفية، والقتل على الهوية، لكي يقنع الناس بان لا طريق امامهم سوى العودة الى البيرقراطية المقيتة ، لازال الواقع مزريا والفساد يغرق البلاد وعلى فوه بركان ولا ندري متى يقرر المحتل البغيض بتفجير الوضع ليعيدنا الى السجن الكبير.
التركيز:
في حياتي ومنذ كنت طفلا وحتى بعد ان كبرت لم يكن هنالك تحديد لمستقبل معين، لم يكن هنالك هدف محدد سرت لتحقيقه بل كنت احاول تجربة كل شيء والدخول في مضماره، ما ان يصادفني عمل او وفن او رياضة او مجال دراسي وأحبه أحاول تجربته لذلك تراني في كل مضمار اصل الى منتصف الطريق، ولو كان هنالك مضمار ركزت فيه اكثر اعتقد كان هذا افضل، اكتشفت لدي موهبة الرسم منذ طفولتي اقمت معارض في الكلية التي دخلتها الادارة والاقتصاد، ثم كتبت قصة مصورة وانا صغير للاطفال وتركت الكتابة، دخلت مجال الرياضة كرة القدم والمنضدة، كتبت الشعر والخواطر، عملت في الادارة واعمال حرة كثيرة، احببت التصميم والمونتاج والكرافك، وتعلمتها لكن ليس باحتراف، اكملت الماجستير بأختصاصي الاداري الذي كنت أمقته، وبعدها تعرفت على الأدب فكتبت القصة القصير والقصة القصيرة جداً والومضة والهايكو، واحببت منها بالتحديد القصة القصيرة جداً، بل اغرمت بها ولا يمكن ان اتصور نفسي من دونها وعلاقتي معها لحد الآن.
سنتان ولا أدري في المستقبل هل ننفصل ام سأبقى وفيا لها؟.
ولادة أخرى:
١٩ /١١ /٢٠١٧ م داهمتني الالام في الصدر والبطن الساعة الواحدة صباحا، لم اميز ما لدي في حينها لا اعرف ماذا حصل،دخلت المستشفى، قيل ان لدي جلطة قلبية، كنت لا اعي ماهي تداعياتها واني كنت قاب قوسين او أدنى، بعد ليلة حافلة دخلت المستشفى لعمل قسطرة عاجلة، بذل الاطباء فيها مجهودا كبيرا، وقيل لي بأنه تم فتح الشرايين المغلقة، لكن بعد اربعة ايام ظهرت نفس الاعراض وكل الفحوصات تدل عاى انه لا يوجد شيء خطير، في الشهر التاسع من العام التالي قررت ان اعمل قسطرة تشخصية لمعرفة مايجري، فتفاجأت بأن الأنسداد لا زال موجود، وهو يفسر ما كنت اشعر به من ألم، قيل لي ان وضع الشبكيات وغيرها لا تنفع ينبغي ان تعمل عملية قلب مفتوح، عملت على ان ابحث عن طبيب ينصحني بعدم عملها لكن الكل نصحني بها مع خطورتها، جاء فريق طبي عربي لمدينتنا عملت عملية القلب المفتوح اواخر شهر ديسمبر من عام 2018 نجحت العملية في جزء كبير منها وتبديل شرايين رئيسية وحاليا لازلت اتلائم مع بعض الأعراض فهي اصبحت جزء من حياتي، عند المرض تزيد العزيمة والأصرار كما ان أجر المريض عظيم فهو يحس بذلك القرب من الله، دائم الدعاء والذكر له سبحانه...
متعكم الله بالصحة والعافية..
شكراًجزيلاً لحسن اطلاعكم تحياتي وتقديري لكم جميعا والى أسرة زمرة الأدب والى الاستاذ جمال الشمري لأتاحته لي هذه الفرصة لسرد سيرتي الذاتية.