« رسائلي الطائرة »
.......
قامتي القصيرة بعيدة عن ملامسة ضوء النجوم، وأصابعي الطرية أصغر حجما من احتوائها، قفزتي مع كل عام تزداد ارتفاعا وأصابعي الغضة تقوى، تمكنت أخيرا أن أحوز نجما.
هو بين راحتي أطبق كفي عليه، النجم الثالث غرب القمر، ليالي أقضيها لأختص به، أحجبه عن سمائه وعمن حوله، أقابله بعدما تأفل الدنيا في خلاء بعيد عن المدينة، ما يجعلني حزينا أني لا أعلم حقا إن كان يشعر بقبضتي تلك أم لا؟
أسير إليه الليلة، كلي أمل أن يقرأ رسالتي، تخطيت الإسفلت، الطريق الترابي، حقول تحفني، دبيب الخلق يختفي، منذ أمس أفكر في فحوى ما أكتب، أأسرد له هويتي؟ أأخبره أني صاحبه؟ أأسأله: كيف حالك وأنت بين يدي؟ أأصارحه بانخلاعي عن الأرض وحبي لعلوه؟ أأعترف أني أريد أن أطوف حوله كطائر أحييه. جفت ألوان طيفي على الأقمشة ونسجت بين الفواصل ما دار في ذهني.
الفاصل الأول دونته باللون الأبيض وخلفية زرقاء
_سيدي النجم
دعني أحكي لك عني :
أبدأ من حيث قالوا أني صرخت مع كل رضعة، لذا جنبتني أمي حنين لبنها وتجرعت ملوثات البشر المصنعة، نأيت بنفسي عن احتكاك ضيق أتأمل ملكوت صامت الهيئة أثارتني عجائبه.
الفاصل الثاني بلون أزرق وخلفية خضراء
_سيدي النجم:
صحبتك عندما اكتمل بعض شبابي، مراهق لا أزال، آنستك بعد فراق صديق طفولتي، اغترب حيث يسكن من يستبدلون الإيجار بالتمليك، نظرتي انتقلت في الأجواء تبحث عن براءة فقدتها برحيله، تطلعت إلى وميضك الذي أنار خفوتي.
الفاصل الثالث بلون أسود خلفية حمراء
وودت أن أعلم حقا، هل تؤذيك ضمتي؟ لا تؤاخذني صديقي من حبستي لك، فأسرار الصداقة لابد ألا يعرفها غيرنا.
الفاصل الرابع بلون بني خلفية صفراء
اعتلاؤك طهر واختفاؤك دون حقد عند الإشراق مذهب أهل الراحة أغبطك عليه.
ضممت ما دونت كله، ثبت على كل فاصل شريحة خشبية طويلة، تقاطعت كل الشرائح الفاصلة في نقطة من المنتصف، ربطت أطراف المضلع، صار شكلا واحدا مشدودا متنوع الألوان من قماشة زاهية برسائلي وأسئلتي، محكومة بتلك الحدود الخشبية، عقدت للمضلع ذيلا طويلا من الزينة...
أنتظر دفقة هواء، أجري لأستقطب الريح تهز هيكلي المصنوع، أمد الخيط، أهزه ليرتفع بصنيعي، أخيرا طار، فرحة غامرة اجتاحت بنياني الصغير، يرتفع، ترفرف زينته، وجهته نحو نجمي المقصود... أضبط برفق، كادت أمتار خيطي المتصلة بين يدي ورسائلي تنفلت، الهواء يحمله أعلى وأعلى، تطابقت أنوار نجمي فوق رسائلي الطائرة، اختفت رؤيتها عني من شدة الارتفاع، علي أن أعيدها حتى لا أفقدها، أرهقتني جدا حتى آثرت أن أتركها تحلق وتقترب علها تنبئ نجمي عما بي، وانقطعت صلتي بطائرتي الورقية.
........
من مجموعة( وجوه لافتة)
الفائزة بالنشر الإقليمي
محمد مندور