(وسائد الليل).
بقلم أ/ نجيب صالح طه ( أمير البؤساء) - اليمن.
_____________
النص..
"وَسائِدُ اللَّيلِ"
يَغفُو اللَّيلُ،
عَلىٰ وسادَتي
باكيًا حَزينًا
وَ أَحلامي تَركبُ صَهْوَةَ السَّهرِ
تَخرجُ عَنِ المَألُوفِ
تَتعرَّىٰ،
تَتمادَىٰ...
تُبْحِرُ في غَياهِبِ الظَّلامِ
بِلا اَسْتسلامِ
تُراقِصُ أشرطَةَ المَمنُوعِ
وَ تدَاعِبُ شَجَناً قَديمًا
مِنْ سِحرِ عَينَيكَ
عبثيةُ الشّوقِ النَّازلِ مِنْ شِفَتَيكَ
تَدعُوني للنُّعاسِ
مُترنِّحًا ثَمِلًا
أشتاقُ لِذاكَ الشُّعاعِ
أُدَثِّرُ غَفوَةَ اللَّيلِ بِوِشَاحٍ
أصنعُ خُصَلَ الشَّوقِ.. شِرَاعًا
وَ عِندَ الفَجرِ...
أجمَعُ في سِلالِي
بَقايا النَّدَىٰ مِنْ فَوقَ وَسائِدي
يَتيمٌ فَجرُ الصَّبِّ
خُلِقَ وَلِهٌ ثُمَّ.. ماتْ!
ثريا الشمام- سوريا.
كانت عبارة عن مشاركة مني في تعليق على نصها ( وسائد الليل)، في مجموعة أدبية، وحين قرأتها الأستاذة الشاعرة/ ثريا الشمام، ردت بتعليق أثنت فيه على اليمن وأهله، وراقت لها قراءتي المتواضعة المستغفلة للوقت المكتظ بالشواغل الخاصة، وطلبت نشر تعليقي على صفحتحها،اسمتهلتها بعض الوقت لتنقيته مما ذكرته في تعليقي وليس بذي صلة بالنص ...
وهأنذا أعيده مضيفا..
بعيدا عن مناهج ومدارس النقد والشعر ومتاهاتها، وانتهاج خطوات التحليل الأدبي الرتيبة الملزمة بقيودها اللاأحد....!
أقول:
هذا الليل الذي أصبح دوحة البوح، وصديق العاشقين الروحي، ومبيضة المشاعر، ولسان الصامتين، وطليق المقيدين، يكون اليوم ملجأ /ثريا الشمام.
وبنص بديع محكم، ينتمي للشعر النثري الذي شب حديثا، ولن نكسر جبر الخواطر المتعصبة التي لا تؤمن به، ولنسمه أيضا: (سردية أو خاطرة نثرية)، مع أني مؤمن بكونه شعرا، فالشعر مرآة المشاعر إن أحكمت لغته وأحدث أثره..
وسائد الليل..
هو عنوان النص، وجاء بصيغة الجمع..
حين قرأته، توقعت أن الكاتب ( مدمن سهر)، وأنه وهبه وسائده لينام بدلا عنه، لكن الشاعرة فاجأتني حين قالت..
( يغفو الليل)، حذفت نفسها ببراعة هنا ودلتنا على نفسها بكلمة ( يغفو)...
ثم قلت لنفسي ( يغفو) فعل مضارع وهي امرأة، بدأت أقرأ ماخلف السطور....
فكان الوجع، الحلم، الحبيب،.......
الغفوة وقت قصيرة جدا، ثم العودة لحال الصحو..
فكانت هي هي أيضا من يغفو ولكن بمعنى الذات المنسلة من ذاتها نفسها كإنسان ( الأنا ) الأخرى...
النص بأكمله ينتقل بين الإستعارات التصريحية والمكنية، والكنايات بكثرة على صغر النص، وهو من النوع الترميزي الغير مغرق، أو الغير الملغز، المفضي للغموض التام...
إذ يمكن قراءته مع قطع احتمالات التيه الأدبي التأويلي...
ثمة براعة في قدرات الكاتبة اللغوية والبلاغية - وهذا قطعا -قدرتها على التكنية والاستعارة تحديدا خلق نصا بيانيا كثيف الصورة، جميل الوقع والأثر.
فمنذ العنوان كما قلنا والذي الذي غيبها
وسائد الليل، وبصورة الجمع للدلالة على كثرة آيام السهر،
ثم.
يغفو الليل على وسادتي!
ألم تكن جمعا ؟
الآن صارت وسادة واحدة ووسادتها هي...؟
إذن هو الحبيب، وأحلامها المعاقة الأخرى..
تمكن رهيب من وحدة النص الموضوعية، المتدرجة البوح والشكوى..
كتعبير عن حالة وجدانية حزينة صامتة البوح، أفرغتها بصدق شعوري عميق على الأوارق....
إلى أن صارت هي من تدثر الليل في أحد سطورها وهي حالة استغراق وشمول للمعاني الدفينة التي تشعل بعضها حد ركوبها صهوة السهر صورة بيانية أكثر من رائعة بل متقنة جدا، لنقل حالة المعاناة المستديمة فحذف ( الخيل ) هنا ووضع لفظة ( صهوة)، تجعلنا نقف بعاطفة الإجلال والإشفاق لغياب فارس أحلامها أو حبيبها في تصريح لأهم شيء من لوازمه وهي الصهوة الدالة على مكانته من قلبها وشرفه،ورفعته لم يكن ذلك التعبير مأتيا لو أنها قالت مثلا..
أحلامي تركب فوق أو ظهر أو .... السهر
ونافذة الليل وحدها جسر عبور أداة لتمرير أحلامها بلذة ونشوة لا تمل أو تستسلم، نافذته هي كيفيتها الوقتية، وعرابة مستحيلاتها، في مشهدية تأثيريةتسبر ما خلف الروح من عدم تحققها...
ثم تضيف شجاعة أخرى أكثر وضوحا...
تتعرى
تتمادى..
تداعب
تتراقص
تبحر
تدعوني..
تاء المضارعة المستمرة، وأفعال حركية تشاركية الألم والوجع والليل..
ووحدهما من يغفو والليل.
أجزم أن هذه الشاعرة تدرك جيدا ماذا تفعل...!
أذهلني هنا مقدار صدقها الفني والشعوري، وهي تصف حالة الحرية المطلقة والتضخم المتنقل لحالة تحقيق أحلامها وتعددها في خلوة من الليل ..
واقع منقول بدقة..
بل وتتعرى أيضا، أحلام خاصة وذكريات ليست للنشر أو العرض أو المكاشفة إلا هناك حيث هي والليل وصهوة السهر، براعة في عكس مدى الإعاقة لتحقيقها أكانت مجتمعية أم مادية أم ( بارادامية) ثقافة النص والعرف...
وكلنا مثلها نستعرض شجون ماضية في حديث الذات للذات، ولن نجرؤ على البوح بها، فتبقى حبيسة الوجدان.
صدق شعوري + فني محكم+ عمق وشمول للمعاني= تجربة شعرية ناجحة.
كل سطر يحتاج لوقفة أطول...
لكن من هناك وحتى قولها :
اجمع في سلالي بقايا الندى من فوق وسائدي..
كم هي بارعة التكنية، ماهرة التوظيف لها..!
سلالي توظيف معلم..!
لم تدرك فقرها وهلامية وتلاشي أحلامها تلك إلا بعد أن جمعت سلال إهمالها وصارت الوسائد وسائدها لم تعد وسائد الليل...!
وواحدة فقط هي خاصتها الأخص وكلها وسائدها والليل الذي لا حبيب فيه ولمدة طويلة السنوات...!
حالة الإرهاق وصفرية التحقيق لأحلامها الوجدانية جعلتها تجمع (بقايا الندى...)
كناية بارعة جدا على أنها لم تنم ولم تضع خدها على وسائدها بعد!
مما شكل قطرات الندى عليها لاشتعال جمرات الشوق وبرودة الروح والمكان....
طول تفكير ووقوف شجي الحزن والألم...
مع عبثية الشوق، المستنتج كل فجر... للإرتشاف من شفتين غائبتين..
الذي بدأ يدعوها للنعاس..
بتخيل السكر واللذة المفقودة، والحنين للقديم.
وكم هي مستقرة هنا كلمة ( بقايا) كان الندى لطول الهجر كثيرا،....
ثم قل تدريجيا..
صورة دارمية كبيرة من نخاع الواقع.!
نقلتها بأربع كلمات..!
( ويجي واحد بعقل قديم يقول لك هذا مش شعر!).!
تنقل القارئ لتخيل المشهد هي تطوف أرجاء الغرفة، تجلس على كرسي، تتكئ النافذة، على السطح...... كل مكان ممكن ،لكنها لم تقترب من سريرها بعد وكيف وقد امتطت السهر..
بدأ الضوء يقللها باعتدال الجو فجرا يتيم العشق والدفء... ومات ولم يشعر به غيرها أحد....
النص مترابط جدا في سياقاته الدلالية وهذا ما نعني به في النقد ب (الوحدة الموضوعية). وفيه من العمق والشمول مايهزأ بالكثافة في جزئيات النصوص الطويلة...
وهو نص جمع بين (البنيوية )و( السيمائية ) في وقت واحد.!