زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

أمي.. بقلم الكاتبة/خلود برهان.


 قصة أمي .

كانت أمي رسامة بارعة مولعة بالزخرفة .
تطرز وقتها بحبنا، تخطف تغاريد العصافير من الفضاء و شبابيك الجيران و أسطح البيوت الحجرية لتنسج منها ثوبا يليق بالصباح.
تمسك المكنسة صباحا لترسم على الأرض لوحةً خالية من الغبار، و تتناول الملعقة فترسم في قِدر الحساء دوائر لا نهاية لها، تستعمل السكين لتزخرف مكعبات البصل و البطاطا وسر خلطتها ابتسامة ،
عندما كان أبي يغادر للعمل؛ كانت أمي تتحول إلى ساحرة تغطّ أصابعها بالماء البارد فتحمر، وكلما زاد بردها و احمرارها ؛ زادت قدرة أصابعها على السحر، فتغمر قمصان أبي الملطخة بالطين ؛بالماء و الصابون ، ثم تخرجها فتختفي بقع الطين ، لم أكن أعرف أن الساحرات يتألمن عند قيامهن بالسحر والشعوذة إلا عندما رأيت أمي تعصر وجهها و تكزّ على أسنانها،و تخرج ملابسنا من الماء و أصابعها الباردة متورمة،
وعندما تنتهي تصنع من الحبل في فسحة الدار معرضا فنيا للوحاتها ،فتجمع شتات الأسرة الخارجة من البيت على ذاك الحبل ، وتعرض جواربنا المهترئة و القمصان والفساتين الصغيرة الملونة. 
كانت امي تفرح بالربيع فتأخذنا في نزهات طويلة ثم نعود فترسم لنا على دفاترنا أزهارا و عصافير بيد مرتجفة.
ذات خريف طلب الزمن من أمي أن تزخرفه؛ فزينت له وجهه بملامحها ورسمت له خطوطا متعبة تحت عينيه، وعندما غادر تسللت إلى غرفتها و أغلقت الباب، أردنا أن نعرف ما بها و هرعنا إلى النافذة لنسترق النظر إليها،
كانت جالسة على السرير ممسكة بالمقص تقص أطراف الخريف و تحشوها بالمخدة، ثم صنعت في السماء ثقبا عميقا و نادتنا لتخبرنا بسرها .
يومها علمتنا كيف نصنع من الجوع خبزا لذيذا، ومن الفقر حبلا طويلا نشد به أرواحنا كي نتحمل وقالت لنا حافظوا على هذه الحبال إنها تسمى الصبر و بهذه الحبال فقط تجتازون رحلة الحياة . 
تساقطت دموع ابي غزيرة كالمطر فوضع فوق رؤوسنا منديل أمي كي لا نتبلل ، وأخبرنا كم كان مبهورا بجمال أمي و لوحاتها .
قالت أمي هذا الجيب الذي قمت بخياطته في صدر السماء سأختبئ به لابتعد عنكم في مرضي ، كلما اشتقتم لي انتظروا الخريف حتى يعود وانظروا إلى السماء فأعود إليكم ،
ثم صلت أمي صلواتها ووزعت أدعيتها علينا بالتساوي وغطت في رحيل عميق . 
في اليوم التالي جاء أبي بأمي تبتسم في إطار خشبي ، وإلى اليوم لازالت أمي شابة بينما نحن هرمنا .

خلود برهان. سورية

عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية