زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

« فنون السرد القصيرة _ في الأدب المعاصر » _ بقلم: الأديب / سيد عفيفي


 



فنون السرد القصيرة


في الأدب المعاصر


رؤية نقدية خاصة


...........................



حان الوقت لنتفق على عدة نقاط تقنية في فنون السرد القصير في الأدب المعاصر، وطرح الخلافات القائمة على التكميم والخصائص الفنية المتشابهة بين أجناس القص القصير، مع الأخذ في الاعتبار أننا  إذ نتحدث في قضايا أدبية شائكة فإننا لا نحكم الحكم الجازم لأن الأدب ليس فيه معادلات رياضية ولا كيميائية تلزم فيها نتائج ثابتة عن مقدمات معروفة.

ولأن السرد كله -قصير أو طويل- هو تجارب فكرية وخبرات ذاتية واجتماعية يفرزها القاص، فإنه من أهم وأخطر رسالات الأدب المنوط بها التنوير والمثاقفة وتوجيه الفكر والسلوك بشكل غير مباشر، لهذه الأسباب يتوجب علينا العناية الفائقة بأجناس السرد والأقلام الضالعة فيه.

لدينا الٱن مشكلة التجنيس ووضع الأطر والحدود الفارقة بين ثلاثية الفنون القصيرة للسرد، وهي القصة القصيرة، الأقصوصة، القصة القصيرة جدا، وكل ما سوف أطرحه لا يعدو على كونه رؤية نقدية شخصية لا تصح وحدها فتخطِّئ غيرها، بل تضاف إلى غيرها فتكمله وتدعمه كجزء من كل.

وأصل السرد في اللغة هو النسج من خلال شد الخيوط وتداخلها وحبكها بقوة، وفي القرٱن الكريم (أنِ اعمل سابغاتٍ وقدِّر في السرد) والكلام إلى النبي داوود عليه السلام ليصنع دروعا واقية من الطعان من خلال نسج وحبك قطع المعدن.



القصة القصيرة جدا


..................



ببساطة هي سرد الفقرة الواحدة، والعقدة الواحدة، والشخصية المحورية الواحدة، برقية شديدة الاقتضاب والاختزال، منحدرة الأحداث بشدة، رافد واحد يصب في خاتمة مباغتة تتميز بالمفارقة والترميز، وهي بذلك تقتطع من تجارب المجتمع لفتة بارقة لها خصائص التأثير والكشف وجذب الانتباه، في قالب لغوي مضغوط بلا إسهاب ولا استرسال، هذا وقد نالت القصة القصيرة جدا عناية وتكريسا أراه قد أضر بها في الأدب المعاصر، فلم تعد تؤدي دورها بعدما أصبحت تكتب فقط للمشاركة في المنتديات والمسابقات، وبدلا من أن تعرض قضايا المجتمع تحولت لاستعراض قدرة الكاتب على وضع خاتمة مباغتة أولا ثم نسج الدراما صعودا من الخاتمة.

من حيث الكم فقد خنقت القصة القصيرة أنفاس السرد، بل وقصت ساقيه وذراعيه، وتركت للسرد اسمه فقط، وتفرعت منها قصة الومضة بحد العشرين كلمة فأجهزت على السرد لحساب المفارقة، ولو أن القصة القصيرة جدا قد تركت بلا تكميم مفردات وتحديد خصائص فنية فقط لا كمية لاهتزت وربت وأنبتت الإبداع والإمتاع اللغوي والفكري.



القصة القصيرة


................



باختصار وتركيز شديدين، هي سرد الفقرات المتعددة، والسياق المترابط فنيا، والشخصية المحورية التي يدور في فلكها عدة شخوص ثانوية، أو تدور الشخصية المحورية في فلكها بشكل أفقي، وهي سرد العقدة الواحدة التي تفرزها عدة حبكات فرعية، وهي السياق الطويل المشبع توصيفا وتصويرا للزمان والمكان، ويسير فيها السرد سيرا رخوا بلا انحدار ليصب في خاتمة المفارقة لتترك هذه الخاتمة انطباعا أخيرا في نفس القارئ.

وأرى أنها تسير في طريق النمو والازدهار وتقدم دورها المنوط بها على الوجه الأمثل، إلا أن أظهر عيوبها في الأدب المعاصر ذلك الترهل في السياق وهشاشة العقدة الدرامية، واللغة غير المصقولة، وتداخل الضمائر المتصلة بحيث يصعب ردها إلى مرجعياتها، وكل هذه العيوب من السهل تداركها بكثرة القراءة والمران على شد السياق وتخليته من زوائد الكلم.

من حيث الكم فليس لها إطار ثابت، غير أنها كلما طالت  زجرتها القصة والرواية لتتراجع عن حد عقدتها الواحدة وشخصيتها الواحدة.



الأقصوصة



يشتد الخلاف بين النقاد والكتاب حول ماهية الأقصوصة والحدود الفاصلة بينها وبين ما أدناها وما أعلاها، ورؤيتي الشخصية ألا مسوغ لهذا الخلاف إذ يبنى على التكميم، والأقصوصة ببساطة هي تصغير لكلمة قصة، من ثم فالقصة القصيرة أقصوصة إلى حد ما، والقصة القصيرة جدا مبسوطة السياق هي كذلك أقصوصة، وحتى نقف على تبيان الحقيقة فإن الأقصوصة لا تختلف عن القصة القصيرة إلا في بعض السمات الفنية لا الكمية.


أولا؛ العقدة 


عقدة الأقصوصة واحدة لا تخدمها عدة حبكات فرعية، وتعرض هذه العقدة بشكل مركز واضح.



ثانيا؛ الأسلوبية


أسلوب السرد في الأقصوصة مبسَّط أنيق، بلغة واضحة الدلالات.

ثالثا؛ الانطباع وهو الشيء المشترك مابين كاتب الأقصوصة وقارئها، إذ يتضح انطباع الكاتب وتقييمه للعقدة بشكل مباشر أو غير مباشر في السياق السردي، ليتفق معه القارئ أو يختلف.

رابعا؛ التقسيم أو التصميم وهو وضع الأقصوصة في شكل فقرات قصيرة منفصلة متصلة، منفصلة عرضا ومتصلة مترابطة فكرا وموضوعا.



المفارقة في أجناس السرد



المفارقة هي القاسم المشترك الأعظم بين فنون السرد، وهي ضمانة لإثارة ذهن القارئ وتكوين انطباعاته، والمفارقة ببساطة هي إحداث المنقلب الحاد في مسار السرد، وهي لحظة قطع السياق عن مصبه المنطقي إلى وجهة أخرى لا يتوقعها القارئ، ولذلك تعتبر من أهم مكونات السرد القصير.


أخيرا



إمعان النظر في ثلاثية أجناس القص القصير تحيلنا إلى مفهوم التماهي بين فنون السرد وأجناسه، فقد تجد نصا لا تستطيع تحديد مسماه بدقة، أهو قصة قصيرة أم أقصوصة أم قصة قصيرة جدا، وهذا التداخل لا يصح أن يرقى لدرجة الخلاف النقدي، بل يصب في صالح الأدب، خصوصا إذا طرحنا الخلاف التكميمي لنصوص السرد حتى تتحرر الأقلام وتفرز عصارة فكرها بلا تأطير ولا تحجيم.



******



سيد عفيفي


عضو اتحاد كتاب مصر















عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية