وعادك منهُنَّ الأسى والوساوسُ
فما عاد يشجي القلبَ بعد فراقهم
ملاعبُ أفناها البلى ومدارسُ!
وكيف تُسرُّ النّفس والإلف غائبٌ
ومـــربع أهل الودِّ بالبيـــن طامسُ
وكان ضياء الصبح يضحك للرّبى
فعادت به الأيّام وهـــي عوابسُ
فبتُ بدارٍ لا أسرُّ بحسنـــــــــــها
وغـــــــادر عينيَّ الخليلُ الموآنس
وقفتُ أُديم اللحظ في موطنٍ لهم
تفانى وعفّته الريّاح الرَّوامــــسُ
ديارٌ تغشَّاها الحِمامُ فأصبحت
ممزّقة تبكي عليها البوائــــــــــسُ
ولم يبقَ فيها غير تُربٍ وأنهرٍ
تناهبَها روم البلاد وفــــــارس
مقسّمة الأرزاقِ قفرٌ رياضها
تلبّسها الأهوال فيمن تُلابس
وحلّت بها الأرزاء من كلّ جانبٍ
وغادر ناديها الرجال الأشاوس
وكانت بها الأيّامُ خضرًا كرائما
تطيب بها الدنيا وتحلو المجالسُ
أروح وأغدو في الشبابِ وانتشي
وأطـــربُ لا همٌّ هناك وهاجــــسُ
وقلبي لا يصحو عن اللهو والهوى
وليس وإن جارَ الأحــــــــبَّة آيسُ
يهيمُ ببدرٍ قد علته ملاحــــــــــةٌ
يـــلوذ به من ظلمة الليل قابــــسُ
كأنَّ بصحن الخال ورد شقائقٍ
تراءى وكنّته الجفونُ الــــنواعسُ
يميلُ بقدٍّ أهيف ناعم الخطـــى
وفي شَعره تُلفى الغصون الموائسُ
أخاف عليها إن مشت أو تمايلت
لها القلب حصنٌ والمحاجرُ حارسُ
وكم من يدٍ لليل عندي عزيزة
حمانا بها وارتاح فكر وهاجسُ
ولذّ لعيني النّوم بعد مغيبهم
فكان به طيفٌ من الوصل لابسُ
وطاب الهوى إذ كان فيه عذابها
لأنَّ الهوى قبل المحبّة سائس
وأنظر في كلّ العيون ولا أرى
سواها ،وجفن العين بالأرضِ ناكسُ
__
"صالح علي"