كتبت: خلود برهان
« تحولات»
اخذ توم Tom شكل طاولة ، ارتطم بالجدار ، خاف جيري، أطفأت أمي النار تحت قدر الشوربة ..
••••••••
القراءة
لفت نظري اليوم هذا النص العبقري للكاتبة الكبيرة kholoud Burhan, التي تتحفنا دائماً بكل ما هو مدهش، لكنها في هذا النصّ بالذات تفوقت على نفسها من حيث القدرة العجيبة على التلاعب بالقارئ، و إدخاله في أبعاد متداخلة من الزمان والمكان.
العنوان تحولات:
التحوّل لغةً هو انحراف الشيء عن مجراه.
وهناك كما نعلم الكثير من التحولاّت، مثل التحولاّت التي تطرأ على حياة الحشرة من طور إلى آخر، أو أن يتحول النهر عن مجراه الدائم، لسبب طبيعي أو صناعي، كبناء سدّ أو ما شابه.
أم تقصد الكاتبة هنا تلك التحولات الجنسية، أو العبور الجندري كما يركز عليه الإعلام الغربي ومدعّي الحريّة هذه الأيام.
أميل إلى الرأي الثاني، وهذا يقودنا مباشرة إلى الغوص في النصّ.
بدون مقدمات و بأربعة أفعال متلاحقة( أخذ، ارتطم، خاف، أطفأت)
وهذا يذكرنا بما ذكرنا أعلاه عن مراحل تحول الحشرة ( بيضة ، يرقة ، عذراء ، حشرة كاملة ).
هل تكتفي الكاتبة المبدعة بهذا القدر، أم أنها ستستمر بالتلاعب بنا ببراعة فائقة في عوالم متعددة الأبعاد، وثنائيات مذهلة اعتدنا عليها في معظم كتاباتها.
لنرى مثلاً ثنائية توم وجيري
ثنائية الطاولة والقدر
ثنائية الجدار والمطبخ...لكن هل ذكرت الكاتبة كلمة مطبخ في النص...
المطبخ هو الغائب الحاضر في النصّ، الكاتبة هنا تشير لنا إليه عبر رمزية سردية ومن خلال مخاطبة مستويات اللاوعي العليا... طاولة، نار، قدر، شوربة.
هنا نقف بذهول...
هنا نقف باحترام
ليس توم وحده من ارتطم بالجدااااار، تقصدت الكاتبة في هذا النصّ، أن تقودنا مباشرة نحو الحاااائط، لنتلقى الصدمة.... لنستيقظ من غفلتنا... توم... يتحول إلى Tom... إشارة خفيفة هنا لدور الإعلام الغربي
توم يأخذ شكل الطاولة... هنا تسطيح القضية، وتحويلها إلى مستوٍ من بُعدين لتسهيل الرؤية على القارئ.
ترطمنا مرة ثانية وثالثة بالجدار... يخاف جيري... جيري يرفض التحوّل، نستنج ذلك من عدم كتابة اسمه بالانكليزي... تتدخلّ الأم كالعادة لتحافظ على ما تبقى لها... تطفئ نار المؤامرة عن الطبخة التي كانوا يعدون لها قبل أن تكتمل طنجرة الشوربة.
تحيتي للكاتبة الكبيرة التي تمتعنا دائماً بنصوصها التي تناقش واقعنا برمزية عالية.
أهنىء نفسي على هذه الخريدة الأدبية التي تستحق أن تكتب بماء... الذهب.
ناقد من هذا المطبخ
••••••••
الشيف: نزار الحاج علي