هؤلاء الاساتذة
محمد يوسف حسن / سوريا
كنانة عيسى / سوريا
عبير عزاوي / سوريا
قالوا
عن نص « فنجان قهوة بارد فوق سطح طاولة ساخنة »
للأديب / محمد البنا ~ مصر
.....................
النص
« فنجان قهوة بارد فوق سطح طاولة ساخنة »
.... قصة قصيرة...
..............................
_ أرجوك..كن لي كما أريدك أن تكون
قالتها بعد صمتٍ طويل، فتداعت الكلمات من بين شفتيها طلقات رصاص، أطلقتها لتصيب هدفها لا لتقتله، ثم رفعت عينيها في خجلٍ وتؤدة كمن يصعد جبلًا ويحاذر انزلاق قدميه.
- حسنًا يا سيدتي..وماذا عنك ؟
دنت بجسدها منه في غنجٍ، حتى كادت تسكره حرارة أنفاسها، ثم أسكنت نظراتها في قلب حدقتيه وهمهمت
- أنا..أنا أريدك بجانبي ما بقيت في صدري أنفاس..لك عقلي..توجتك ملكًا على عرش قلبي..ملكتك وجداني..أنت ..أنت وحدك
تلألأت في محجريهما دمعتان، أبى أن يتسللا وينسابا على وجنتيه، فرك كفيه ليستمد منهما بعض قوة، وغمغم بأحرفٍ متناثرة وعتها أذناها، ومسّت شغاف قلبها، فضمّت كفه اليسرى بين كفيها بحنو، وهمست
- أنت..أنت حبيبي
سحب كفه برفق متحررًا من قبضتها عليها، واستطالت نظرته بدءًا من راحتي كفيها مرورًا بذراعيها لتستقر بين ظلال رموشها الليلية
- إذًا..كوني لي كما أريدك أن تكونِ
اعتدلت جلستها حتى استقام ظهرها على خلفية المقعد وقالت بنبرة جدية لا تخلو من حدة
- ولكني زوجة لأحدهم..
سكتت هنيهة ثم أردفت معاتبة
- لم تضطرني في كل مرة أن أذكّرك بذلك؟!
أغمض عينيه الحزينتين برهةً، ثم باعد بين جفنيه حين سأله النادل
- لقد بردت قهوتك يا سيدي!.. هل آتيك بفنجانٍ آخر ؟
مد يده في جيبه، وأخرج حفنة نقود وناولها له، وبينما يهم بالنهوض ليغادر، لمح بطرف عينه امرأةً أربعينية تجلس إلى طاولة في زاويةٍ قصية من حديقة المقهى، وعيناها معلقتان بالمدخل الرئيس، وعلى الطاولة فنجان قهوة لا أثر لتصاعد دخانه.
محمد البنا ~ ١٣ فبراير ٢٠٢١
..................
« القراءة الاولى »
هو ذاك الشعور الذي يمر عبر خيالاتنا ونعيش فسحة مع تتالي صور، هي تلك الصورة المخملية التي تنظرنا وتعبث في أرجاء كياننا فكر، تأخذ بنا إلى عوالم نستنبض منها فسحة ونتوه في الفسح، عندما يتمادى هذا الاحساس وهذا الشعور وتلك العواطف وتستحلب منا كل الغرور .
يصور كاتب النص الصورة المخملية لبطله وهو جالس في المقهى ويعبث بمشاعره وهو يراقب حالة آدمية كانت تجلس في الضفة الأخرى ويحاول مع خياله الخصب تصوير نفسه الحبيب، ويضفي على هذه الصورة التي رسمها لنفسه بعد تأكيدي ويصدق تخيله لكنه يتلاشى في غياهب خياله مع كلمات النادل له وهو يذكره بأن قهوته تثلجت وهو في متاهات الحب الحرام واللاشعوري، ليعيش فن الصحوة من جديد عندما يتحقق خياله وهو يلمح ضالته التي كانت تتملق حبه وتنأى بنفسها عنه عندما يراودها عن نفسه وتكتمل الحكاية بكل تفاصيلها وهو يلمح فنجان قهوتها المتثلج أيضا وهو يتنازع مع أفكارها أيضا" وعالمها الذي من المؤكد مختلف تماما عما كان يسرح به بطل قصتنا، لكنه يعزي نفسه بهذه اللقطة البانورامية وتكتمل الصورة الناقصة في خيال كاتبنا الخصب لنعيش الحدث في حلقته الأخيرة وتكتمل الدهشة بالقفلة وابداع القاص عندما ترك النهاية مفتوحة لأكثر من احتمال ...
نص فيه شحنة ابداع
محمد يوسف حسن ~ ١٠ أبريل ٢٠٢٢
....................... . .
« القراءة الثانية »
لغة الجسد والزمن اللزج في السرد
في نصوص وجودية نفسية تتحدث عن الحب نجد أنفسنا وقد توقفنا عن كوننا أنفسنا، فنحن كمن يتململ مخلوعًا عن نفسه، لنسائم تتسرب من شقوق صغيرة لجدار يخفي خلفه مكانًا وزمانا هائلي التلاصق والامتداد والغرابة والاتساع
على عكس النصوص العشقية المعتادة نرى للمكان شخصية موحية طوطمية، لزجة ومرنة تنقل القارئ بريبة لمشهدين يحصلان في زمنين مختلفين ربما، أو في عالمين متوازيين، أو ربما في خيال جامح لشخصية السارد العاشق الذي لا يفاوض ولا يقايض بل يعبر العوالم بفنجان قهوة. ونادل سيسأله على الدوام إن كان سيبدأ طقسه من جديد؟
يبدأ الكاتب النص برجاء واضح الملامح ليبدأ مشهدا طقسيًا،عاشقان على طاولة، قهوة ساخنة تتوسط اللقاء ثم تلك المواجهة التي ستستمر بالتكرار، هي واثقة جدا من حبه لها وتعلقه بها وتمكنها من قلبه، فلغة الجسد الموحية التي أظهرها الكاتب لنا تبرز تحكم السيدة بمشاعر الرجل الماثل أمامها بكلماتها المدروسة وأسلوب إغوائها وقوة شخصيتها وعلنية موقفها النرجسي المزدوج كما ورد في النص :
طلقات رصاص، أطلقتها لتصيب هدفها لا لتقتله (مدركة تماما لم تقول وتفعل)
دنت منه (إرادة ضمنية بالإغواء)
أسكنت نظراتها (التحديق المبطن)
بينما نرى طريقة كلام السارد المتوازنة ونبرته التي توحي بعجزه أمام معادلة صعبة في الاستغراق بالحب ثم رفض دكتاتورية الحبيبة في مسافات أمان حيادية تصر على خلقها، فهو رغم حبه الكبير غير راضخ لمشيئتها ذو وجود آني متقلب وعقل متيقظ هائم، فتحتال بلغة الجسد على التأثير على غريمها مرة أخرى بلا جدوى،
ضمت كفه اليسرى بين كفيها
أنت..أنت حبيبي
فالحب بالنسبة له امتلاك واستحواذ كاملين، لا يمكن أن يقتسم ولا أن تكون جذوته آنية أو عبثية أو مقسمة لفصول ومشاهد
الحب طقسي كلي شمولي دكتاتوري. مدمر فالسارد يسحب يده من كف الحبيبة، يكفكف دمعًا داخليا متصابرًا مصغيا لذريعتها المتكررة بأنها لن تكون له أبدًا لأنها زوجه رجل آخر.... ويقفل السارد المشهد على نفسه
ونري الفجوة الزمنية التي تفصل اللقاء عن القهوة الباردة والنادل الذي يثير الهواجس بسؤاله كيقظة داخلية يستيقظ فيها القارئ من استغراقه فكأن مغادرة السارد لطاولة لقائه الفارغه التي ربما حدثت وربما تسللت من ذاكرته وربما تحدث في زمن مواز، قد تزامنت مع مشهد.
المرأة الوحيدة التي تنتظر.. بفارغ الصبر قدومه
فكأن القصة العشقية محكومة بالانفصال والفراغ والاستحالة. والدلالة على سطوة الزمان واحتياله هو قهوة السارد الباردة وقهوة السيدة الساخنة والعوالم المنفصلة ،أو المتوازية ،أو المتصلة بثقب الزمن التي سيليغيها الحب من وجهة نظر الكاتب مهما كان مستحيلا
إذهال يا أستاذ محمد.
كنانة عيسى ~ ١١ أبريل ٢٠٢٢
................
« القراءة الثالثة »
قد لاتبدو الفكرة طازجة ..بل مكررة وبكثرة لحالات باتت شائعة في المجتمع نتيجة لانفتاح العلاقات وغياب الرقابة ولا أعرف مايسمونه ربما التطور .
لكن المعالجة هي التي منحت البريق لهذا النص ...التشويق نابع من الوصف المتقن وبناء النص المحكم ....
الاخطاء في الافعال لفتت نظري
تداعت الكلمات طلقات رصاص ..التداعي لا يناسب اطلاق الرصاص ..ربما تكفي الجملة التي تليها أطلقتها لتصيب....
تلألات في محجريهما دمعتان (أبى )أن (يتسللا وينسابا ...) إما ان يتغير الفاعل فيصبح ( دمعان )وتتعدل الافعال على أساسه ، او تتغير الأفعال (أبتا أن تتسللا وتنسابا) ..ولو أن العبارة طويلة ويكفي تنسابا ..فالتسلل هنا لايخدم .
هناك تكرار لاداعي له مثلاً لا حصرا ( مد يده في جيبه وأخرج حفنة نقود ...ناولها للنادل )....يمكن تكثيفها ( اخرج من جيبه جفنة نقود ناولها للنادل )
النص جميل يطرح مشكلة مراهقة منتصف العمر ربما لكنه ليس بمستوى نصوص البنا التي تذهلنا دائما بفكرتها وعرضها وتكثفها وبنائها اللغوي .
تقبل مروري أستاذنا ...يسعد صباحك
•••••••••••
عبير عزاوي ~ ١٠ أبريل ٢٠٢٢