عندما تتسع الرقعة لتشمل حياة
قراءة بقلم الأديب/محمد البنا
لثلاثية (رقعة)
للقاص/ نزار الحاج علي
.............
النص
قصص قصيرة جدّاً
ثلاثية رقعة
عدوى
في الضفة الأخرى من العالم رجل أحمق يحشو بندقيته بالرصاص، يجلس في منتصف الصالة، في يده كأس من عصير...يتأمل السماء، يحصي انتصاراته...وهزائمه.
النظر إليه يجعلك تفقدُ عقلك بطريقة لا تفهمها، عبثاً تفكّر أنّ القمر من زجاج و أن إصابته ممكنة...تحشو بندقيتك...تحدّق فيه، وهو يحدّق...بك.
مبارزة
المطر يصيبكما بالاكتئاب، ترتشفان كؤوساً مرتعدة، تحدّقان من خلف النافذة...إلى المدينة وهي...تذوب مع كلّ قطرة.
تشعران بالملل؛ تدحرجان كرة ثم تختلفان؛ تذهبان للمقبرة للتأكد...رأسه أم رأسك؟.
عنقاء
ننظرُ للقمر؛ نراهُ عالقاً على الأسلاك التي وضعتموها لاصطياد العدّو.
نسمعُ صوتاً يهزمُ المطر، ليس رعداً...بل أسوار المدن وهي تسقط.
رغم حبل الموت الذي يجرها لأسفل، تضع يدها على قلبها ثمّ تهمس...لن أموت.
نزار الحاج علي ✒️ ٣ ابريل ٢٠٢٢
.....................
القراءة
ثلاثية ( رقعة ) والرقعة مساحة أفقية قد تكون خالية وقد تضم أشياء، ورقعة نزار من النوع الثاني إذ تضم ثلاثة أشياء ( عدوى/ مبارزة / عنقاء )، والشائع المتعارف عليه ألا تضم الرقعة اشياء متجانسة معها ومع انفسها، ولكن رقعة نزار خالفت الشائع وضمت ما يتجانس مع ذواته ومعها، كرقعة شطرنج مثلا، إذ هى الأقرب تشبيهَا ها هنا.
فالعدوى..تنتقل من شيء لمتجانس معه، والمبارزة بين ندين، والعنقاء دالة استحالة ( حياة / موت).
تلك رقعة نزار الحاج علي..ولنر الآن ماذا حوت مساحتها المستقلة المتصلة، والمفرودة الجامعة..
عدوى..في الضفة الأخرى من العالم..قد تكون أمريكا وقد تكون الجانب الآخر للخير..الا وهو الشر نفسه، والشر محض شر يكسب معاركه عادة ويخسرها قليلا، لكنه لا يمل ولا يوقفه شيء ( يحشو بندقيته / القمر من زجاج )، ولكن هل يتقاعس الخير او الجانب الاخر من العالم؟..بالطبع لا..( يحدق به) ويدعوك انت ايضا أيها المتلقي للتحديق به، تمهيدًا لمواجهة لا مناص منها..
مبارزة..يحتدم الصراع بعد فشل الهدنة المزعومة -يصيبكما / ترتشفان / تحدقان/ تشعران - تدحرجان كرة، تختلفان..من الفائز ومن المهزوم..تذهبان للمقبرة للتأكد ..رأسه أم رأسك؟
عنقاء..يبدو لك انك انتصرت فما زالت رأسك تعلو عنقك ( تنظر / تراه / تسمع )..فهل انتصرت فعلا على الشر ؟..أم أنك أصبحت شريكًا له وإن هزمته؟..هذا ما يجيب عليه الجزء الأخير من النص الثالث ( رغم حبل الموت الذي يجرها لأسفل، تضع يدها على قلبها، ثم تهمس " لن أموت".
أنها الحياة مقابل الموت، عنقاء مستحيلة من المستحيلات الأربع الأزلية، تهمس بل تصرخ في وجهك أيها الموت..لن أ م و ت.
اتضحت الرقعة، واستقرت أشياؤها، فلا تظن أنك خير وأنت تبارز الشر بسلاح قاتل..حينئذ كلاكما قاتل، ولا خير في تحاربكما ..كلاكما قاتل يقتل الحياة ويهدم المدن وتتهاوى أسوارها، ولكن الحياة ..الحياة لا تموت ولن تموت.
تقنية تعدد الأصوات ورمزية الشخوص هى التقنية التي اعتمدها كاتبنا كبنية سردية مشهدية حية كالحياة نفسها، وإن عبّر عنها بأحرف وكلمات مدونة وجمل مسطورة.
تماوج السرد بين صوت ( السارد ) أعقبه صوت ( ضمير المخاطب) بإشراك المتلقي وجذبه برقة ونعومة إلى داخل الكادر، فألبسه ثوب المنازل، ثم أخلى الرقعة لهما بامتياز، ثم عاد لصوت السارد وضمير المخاطب، لينهي النص بصوت جديد (.الحياة مؤنسنة..تهمس) ليختم به النص، وي كأنه يقول..كل الأصوات تختفي..السارد والشر والخير والمخاطب وتبقى الحياة..أزلية سرمدية.
"محمد البنا"
٣ أبريل ٢٠٢٢