زمرة الأدب الملكية

ما أكثر الأقلام إن فتشت محصيها،، فيها العلم وجلها غثاء من حطب،، وريشة الفهم إن جئت تطلبها،، فدواتها نحن عرين زمرة الأدب..

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قراءة بقلم الأديب/سليمان جمعة للقصة(رؤيا خروج) للكاتب/ناصر الحلواني.


 قراءة سليمان جمعة ل"رؤيا خروج"

قصة قصيرة

ناصر الحلواني | مصر

.

البحر صامت، يخيم عليه الهدوء حتى الأفق. هكذا يكون الأمر في موسم الصهد المشمس.

وفي قلب المحيط الرملي، المترامي الأطراف، بين المدن الصاخبة بهمومها، ووشيش البحر اللاهي، يقبع السور المغبَّر بأزمان الوحشة والوَحدة، يرتفع فوق المار حيث يلامس السماء، ويمتد حتى يكون كذؤابة نصل يطعن في الأفق، ويرسم تخوم سجن، ملقى في فضاء رملي متماهي الحدود.


وفي جوفه لم يكن صوت، سوى رقرقة ماء يتساقط بطيئا، من صنبور وحيد متعلق بالجدار الصلد، تهبط القطرات في ثقل، تغيب كتلتها في البركة الصغيرة المشكولة من قطرات سابقة، فتنشط موجات ماء تبدأ دائرية، ثم لا تلبث أن تنكسر هرمونيتها بالاصطدام بجوانب الحوض الإسمنتي الممتلئ إلى حافته، فتفر إلى شقوقه حيث تجبرها الخدوش على الاستسلام فتتماهى في خضوع إلى سائر الماء.


تنشق الأرض، ذات الصفرة الترابية المكتومة، حول الحوض، عن خضرة شاحبة، تميل إلى السواد، لطحالب مجهدة، ترعى خيوط الماء الهاربة.


ومن الزنازين، التي تنغرس قضبان نوافذها في صلادة الجدران، يخرج كل رجل في دوره، يحمل دلوه المعدني الصدئ، يفتح الصنبور لآخره، يضع دلوه في الحوض، يتأرجح لبرهة، طافيا على سطح بركة الماء القاتمة، وما إن يسكن ممتلئا، وتغيب جنباته المتعرجة في قتامة الماء، حتى يحمله صاحبه، ويمضي، ويجيء آخر، وآخر، وآخرون.


بعدما تنتهي نوبة النظافة، ويأفل نهار آخر، يعودون ليملأوا لحياتهم، نفس الدلاء، ونفس الماء، الذي لا يعلم أحد من أين يجيء، ويعجبون لسيولته برغم كل ما يحمل من أشياء لا يعلمون كنهها.


ويذهب كل إلى زنزانته، يضعون الدلاء في الزوايا، كذخائر ثمينة، ويبدأون نشاطهم المسائي، الذي يحفظون به بعض ما لديهم من وجود إنساني، فيستخرجون الأوراق المخبأة في فراغات الأبواب السفلية، والأقلام المدسوسة في أرغفة الخبز المركونة بإهمال، وكتبا يحفظونها في صدورهم، ويشرعون في مجاهدة النسيان والغربة، حتى لا ينحت الموت المحيط صخور صبرهم، وفي ترطيب نفوسهم، وعقولهم، وأرواحهم، حتى لا تؤدي شدة الوحشة إلى تيبس وجودهم، ويتهيأون ليوم الخروج، سواء إلى أرض، أو إلى سماء.


وتبقى القطرات الثقيلة مستمرة، تملأ الحوض بإصرار، يسمعونها في عمق الليل، تُذكرهم بالزمن الماضي فيهم، وبالكائنات المخضوضرة النابتة في صرامة الأرض، تصارع سواد العفن، وجفاف الريح.


وذات ليل، رآها الجميع، ناشرة أشرعة لها لون غريب عن ألوان حياتهم، قاموا، وكل يرمق عين صاحبه، فعرفوا، دون أن ينطق أحدهم، كانت رؤياهم جميعا.


 وذات صباح، كان يمكن لكل من يذهب إلى الحوض أن يراها، مثل زهرة ليلك، تطفو في ماء الحوض، ومشرعة للشمس الجهورة، ولعيونهم.


رأى جميعهم شراعها الكتاني مرفرفا، متألقا، في رمادية الأفق الإسمنتي، بادية كالحلم الهائل في عقل طفل صغير، لم يتحدث أحد، لم يكن أحد يقدر على الكلام، كان لعيونهم الصوت الأعلى، وقالت كل عين كل شيء، لكل واحد.


ملأوا دلاءهم في حرص، وملأت التساؤلات رؤوسهم:


” كيف يمكن لها أن تحملنا!”، “كيف ستخرج بنا”.


ثم طرحوا عن أذهانهم الأسئلة، وغامروا بقبول وجودها.


وغادر كل في دوره، إلى زنزانته، لمُّوا أوراقهم المخطوطة، شروحهم، أذكارهم، كتبهم، وخطابات لم تُرسل بعد، وما كانت، وبضعة أشياء، ورؤيا واحدة، تطوف بالأنفس جميعها، الكامنة في معاقلها، ترقب الفجر، ولا تنام.


وفي غداة اليوم التالي، كانت قد غادرت الحوض.


وفي قلب السور البعيد، في الصحراء البعيدة، لم يبق سوى زنازين خاوية، وحراس يمسحون غبار الدهشة عن عيونهم الخشنة، وبضعة أقلام متناثرة، وورقات بيضاء تحملها هبات ريح هادئة، وصوت قطرات ماء، تهبط كثيفة، كزمان يمر، إلى طحالب الصحراء.

________

//القراءة //

البنى المعرفية هي كيانات تشكل النص في امتزاجها بكينونة الفكرة التي يعالجها النص ..فتتحرك بارادة الرؤية ..لتكون موقفا من الواقع ..

فالبحر كيان واسع الدلالة فيه معان لا نهائية لان الانسان والكائنات تتحرك فيه ومعه وبه ..

هنا هو المحيط او الحاجز امام حركة السجناء بغير وسيلة وهو المنجاة اذا توفرت لهم ..وما عتبة العنوان الا توطئةلذلك ..فهو يتناص مع سفر الخروج وموسى الذي شق البحر ليخرج شعبه من عبودية الفرعون ..والمؤمنون بالله ..شعب يتكرر مع كل الانبياء فالدين ليس عرقا انما يشكل فئة سلام تدعو الى الله لتعمير الارض والخلاص منها ..

كيف نستحضر اذن قصة الخروج؟

 والبنية الاخرى هي الكيان الرملي الشبيه بالصحراء فالخوض فيه تيه ..فهي حاجزة أيضا..وممتدة ..وممتلئة بالخوف والخطر مثل البحر فهل من دليل ؟

اذن نحن امام خطرين قاتلين اذا غامر ت فئة فيهما ماتت..

وكذلك بنية المدن الصاخبة المزدحمة ففيه رقابة الناس والحكومات .. 

وتأتي بنية السور العالي الذي يحيط ببنية السجن .. وبنية حوض الماء ..كلها امكنة ممتلئة بسلطة ما..وعائق واضح..سجن مركب ..فكيف الهروب ..والخروج من هذه السجون ..من اصغرها الى اكبرها كحلقات..تتحرك بخوفها 

..القطرات اوحت بنزولها من الصنبور لترسم دوائر ..تشبه دوائر البحر والصحراء والمدينة والسور والحوض تحت قبة السماء ..ترشح ما بين الشقوق غير المرئية فتنبت الطحالب....اذن

الحصار محكم حولهم 

عدا عن حصار التهمة التي اوصلتهم الى السجن.. حياتهم داخل الزنازين روتينية يملؤون دلاءهم كل يوم وينصرفون الى ثقافة ما تثير التساؤلات اي لم يفقدوا الوعي بالحرية وبالحواجز التي تحيط بهم....الحلم 

الرؤيا رآها الجميع ..هي تعادل موسى الذي سيشق كل هذه الحواجز وهي هجرة محمد واجتيازه الصحراء ..وزحام من حاصره..

رأوا السفينة كالاطفال فوق ماء الحوض!

كيف ستحملهم ..من بناها ..من اين ستمضي بهم ..تركوا الاسئلة والعقلانية الى الرؤيا والمعجزة ... ايمانهم بذلك حولهه الى ...لا اعرف ولم يفصح النص انما اصبحت الزنازين خاوية ..تصفر ..

النافذة التي انفتحت هي ايمانهم ..من اين لهم هذا الفضاء ليسمح بتشكيل الرؤيا ..؟

انها ثقافة مستقرة في تراثهم ومؤمنون بها حلت في ارواحهم..فبالصبر كانت لهم صلوات ربهم ورحمته ..هكذا اوحى النص ..وذلك بصورة جمعية كلهم رأووا الرؤيا نفسها..

فهذه البنى التي كانت في اعماقهم وحي ايمان ...اخترقت الحواجز وتجاوزتها كما فعل المؤمنون ب موسى ومحمد ونوح...

من اي سجن اراد النص ان يخرج من سجنهم ..ومن هم ..؟

هي نفوس اصابها الاستبداد لرأيها وذلك ببنية كانت مرت بسرعة ان هناك ما يتثقفون به..

وهناك من سجنهم الفساد وهم شعوبنا ..وهنا من سجنهم تبعية حكامهم فضيعوا الهوية ..التي ظهرت في الرؤيا..والرؤيا بالالف هي روحية تراها الروح والعقل لا العين ..لتكون وحيا جمعيا ..

فبتلك الرؤيا انطلقوا الى حيث سلامهم وحريتهم ليعيشوا ايمانهم..

اذن.. نحن تكلمنا مع بنى معرفية نعرف مفاهيمها وما يظهر منها وما يبطن..لاننا ننتمى لها وهي لها وجودها اللغوي في لغتنا ..على مدى زمني نعرفه ..ونثقفه.

فالنص الذي اقترح حياة لتلك الفكرة اي الخلاص ..جاء ببنى شكلت حركتها متآلفة متصارعة لتكون مجتمعا يرتقي الى الافضل ويختار..بعيدا عن تطبيق مناهج فلسفات تبقينا حيث نحن سجناء خلف اسوارها ومقصدنا ما هو جذرنا في لغتنا وفي صدورنا ..فلننتمي الى ذواتنا الى هوية مكاننا الذي هو حضارة تتخطى كل الحواجز.

///

سليمان جمعة

عن الكاتب

زمرة الأدب الملكية

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

المتابعون

Translate

جميع الحقوق محفوظة

زمرة الأدب الملكية