أولا: النص
يقين
علت أمواج الباطل؛ حطمته مجاديف الصمود.
ثانيا: القراءة
١.العنوان
يقين: مصدر من فعل ثلاثي لازم معتل الفاء (يَقِنَ) بمعنى: ثبت وتحقق، ومضاده: شكّ/ ارتاب /ظن.. إلخ.
واليقين لغة: العلم الذي لاشك فيه، ويُقصَد به: الإدراك/ الخبرة/ المعرفة/ الموت.. إلخ.
ومضاده: الارتياب/ التوهم/ الجهل/ الشك/ الريبة.. إلخ. واليقين في الفلسفة: اطمئنان النفس إلىٰ حكم مع الإعتقاد بصحته.
وعلم يقين: أي لاشك فيه.
وبالتالي يعرض لنا العنوان صورة من صور الثبوت والتحقق والوضوح العيني والعلمي تجاه أمر أو حكم ديني أو دنيوي لامراء فيه ولاجدال.
فهيا بنا نلج إلىٰ متن الومضة لنستكشف هذا اليقين الجَلي المُبين.
٢.صدر الومضة: علت أمواج الباطل
يتكون الصدر من ثلاث مفردات: علا أي ارتفع. و في القرآن الكريم: {إن فرعون علا في الأرض..... } أي تكبر وتجبر.
ومن مشتقاته: العلو أي التجبر والطغيان.
كما في قوله تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوا في الأرض ولا فسادا...}.
أما الفعل الثاني تعالىٰ: يعني ارتفع؛ لكنه يعني أيضا ترفع وتنزه.
ومن مشتقاته: العُلا أي الرفعة والشرف.
كما في قوله تعالى: {سبحانه وتعالىٰ عما يصفون}.
ومن صفاته تعالىٰ: العلي/ الجبار (المتكبر.
شتان بين العلو الذي يهدي أويهوي بصاحبه إلىٰ أحط دركات النيران؛ وبين العُلا الذي يهدي إلىٰ الإيمان ويرقىٰ بصاحبه إلىٰ قمة درجات الإيمان ورفيع الجِنان.
أما أمواج: جمع موج.. وهي ماعلا من سطح الماء وتتابع. وواحدة الموج: موجه.
ومنها موجة الشباب أي: عنفوانه.
وموجة الحر أو البرد: شدته.
وماج الناس في الفتنة أو ماجت الفتنة.
وفي القرآن الكريم: { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا}.
من علامات الساعة زيادة الهرج والمرج بين شرار القوم وماأقساها من فتنة أن تعلو أمواج الباطل نقيض الحق!
لكن من المعلوم يقينا أن دولة الظلم ساعة ودولة الحق إلىٰ قيام الساعة؛ ومن علا فالله أعلىٰ!
فماذا عن عجز الومضة؟!
٣.عجز الومضة: حطمته مجاديف الصمود.
يتكون العجز من ثلاث مفردات وضمير ظاهر {الهاء} يعود علىٰ الباطل الزهوق أمام حصحصة الحق المبين.
حطّم فعل رباعي مشدد العين؛ وتشديد الفعل يدل على شدته وبلاغته في التأثير.
فكما تحطّمت أصنام مكة أمام سلطان التوحيد، حطّمت مجاديف الصمود أمواج الباطل وقهرتها.
والصمود يعني: الثبات والاستمرار.
ومنه قول الإمام علي رضي الله عنه: صمْدا صمْدا حتىٰ يتجلىٰ لكم عمود الحق أي ثباتا ثباتا.
والصمَد اسم من أسماء الله الحسنىٰ.
والصُمود: المقاومة والثبات حتىٰ النصر أو الشهادة والمجداف: خشبة في رأسها لوح عريض تُدفع به السفينة، والجمع مجاديف، تفيد الكثرة والقوة صلابة الحق أمام ميوعة الباطل؛ إذ أن كيد الباطل يشبه كيد الشيطان الخناس في الضعف.
ومهما ارتفعت وساوس شياطين الجن المحدقة أو أراجيف الإنس المارقة بأن الباطن شاهق كالجبال، وأن الحق مصفد بالأغلال فإن سلاح اليقين متين كالحق المبين، ومهما صخب الزبد وارتفع فكما علا حتما سيقع، ومهما صمت الدر في الأعماق فإن بريقه سيملأ الآفاق وتزدان به الرؤوس والأعناق والباطل زاهق والحق باقٍ.
٤.المفارقة والإدهاش:
قد يرىٰ بعض قراء الومضة هذه الومضة القصصية «يقين» نتيجة منطقية لصدرها إذ أن عين اليقين أن الباطل إلىٰ زوال وأن الحق باق وآت على كل حال لكن في هذه ذكرىٰ للمؤمنين تشفي صدورهم وتنفعهم في دنياهم وظروفهم الحالكة بأن نور الحق ساطع لامحالة في نهاية النفق المظلم. فالومضة وميض وقبس من نور هذا الحق المنير الذي يهدي إلىٰ البر والخير وجنة عرضها السموات والأرض أعدّت للمتقين، سيرونها عين اليقين.
لكن حتىٰ حسب رأيي المتواضع يمكن أن تصاغ الومضة على النحو التالي:
يقين
علت أمواج الباطل؛ أخضعته مجاديف الحق.
لأن العلو والتجبر مضاده الحيوي الخضوع والذلة في الدنيا والآخرة والأمواج السائلة تخضعها المجاديف الصلبة والحق يعلو ولايُعلىٰ عليه مهما طغىٰ الباطل وتجبر...
ولي في هذا المقام ومضة ربما تحمل نفس المضمون:
حكمة
صخب الزبد؛ صمت الدر.
٥.التكثيف:
في ست مفردات أوجز الوامض صراعا أزليا بين علو الباطل الزهوق وعُلا الحق المبين ينتهي حتمًا بنهاية مروّعة للطغيان أمام صمود مشرف للإيمان وهي نتيجة منطقية وسنة كونية مهما طال الزمان.
بقلم: عاشور زكي وهبة
الأحد ٢٠٢٣/٤/٣٠